مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يقول إذا فرغ من طعامه

          ░54▒ باب ما يقول إذا فرغ من طعامه
          فيه حديث أبي أمامة صدي بن عجلان: ((أن النبي صلعم كان إذا رفع مائدته)) الحديث.
          هذا الحديث ذكره (خ) في ((التاريخ))، وأخرجه الأربعة قال (ت): صحيح.
          ولأبي نعيم من حديث قطري الخشاب، عن عبد الوارث، عن أنس: ((أن الرجل ليوضع طعامه فما يرفع حتى يغفر له))، قيل: يا رسول الله، بم ذاك؟ قال: ((يقول: بسم الله إذا وضع، والحمد لله إذا رفع)).
          وفي ((اليوم والليلة)) لأبي نعيم عن مخلد بسنده عن رجل خدم رسول الله ثماني سنين أنه كان يسمع رسول الله إذا قرب إليه الطعام يقول ((بسم الله)) وإذا فرغ من طعامه قال: ((اللهم أطعمت وسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت وأحسنت فلك الحمد على ما أعطيت)).
          ولابن أبي حاتم في ((علله)) مضعفاً من حديث ابن عباس مرفوعاً: ((من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيراً منه)).
          والمائدة كما قال أبو عبيد فاعلة بمعنى مفعولة، مأخوذة من الميد وهو العطاء، وقيل: هي الخوان، وقيل: لا يقال لها مائدة، إلا إذا كان عليها طعام وإلا فهي خوان(1)، وقيل: هي الطعام نفسه لا الخوان، ذكره أبو علي القالي في ((بارعه)).
          وعند القزاز سميت مائدة؛ لأنها تميد أصحابها بما عليها من الخير. كذا فسر في التنزيل وقيل: أنها تميد بما عليها، أي: تتحرك من قوله تعالى: {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] المعنى: لئلا تميد بكم، وميدة لغة في مائدة، وقال ابن فارس: هي من ماد يميد أي: يطعم الآكلين. وقال قوم: مادني فلان يميد أي: نعشني، وسميت المائدة منه.
          وقد روي عنه ◙ ((من سمى الله أول طعامه وحمده إذا فرغ منه لم يسأل عن نعيمه)).
          قوله: (غير مكفي) هو بفتح الميم وكسر الفاء والياء مشددة، وروي بضم الميم وفتح الفاء.
          وقال ابن بطال: قوله: (غير مكفي) يحتمل أن يكون من قولهم: كفأت الإناء، إذا كببته، فيكون معناه غير مردود عليه إنعامه وأفضاله إذا فضل الطعام على الشبع فكأنه قال: ليست تلك الفضيلة مردودة ولا مهجورة، ويحتمل أن يكون معناه أن الله غير مكفي رزق عباده أي: ليس أحد يرزقهم غيره، ألا ترى أن في الرواية الأخرى: ((ولا مستغنى عنه ربنا))، فيكون هو قد كفى رزقهم.
          وقال الخطابي: غير محتاج إلي فيكفى؛ لكنه يطعم ويكفي. وقال القزاز: غير مكفي، أي: غير مكتف من فضل الله ونعمه.
          وقال ابن الجوزي: غير مكفي إشارة إلى الطعام / . والمعنى: غير منقطع.
          (ولا مودع) يعني: الطعام الذي رفع، (ولا مستغنى عنه): عائد إليه أيضاً، وقيل: (غير مودع): بكسر الدال أي: غير تارك ما عند ربنا.
          وقيل: المراد به الله تعالى وأن معنى غير مكفي أي: أنه تعالى يطعم ولا يطعم، كأنه هنا من الكفاية، أي: أنه تعالى مستغن عن معين وظهير.
          وقال ابن التين: ((غير مودع)) أي: غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده. ومنه قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3] أي: ما تركك، وقيل: ما أخلاك من صنعه بمعنى: غير مودع وغير مستغنى عنه سواء.
          و(ربنا): مرفوع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ربنا، ويصح نصبه بإضمار أعني، وبه ضبطه في بعض الكتب، أو (يا ربنا) فحذف حرف النداء، ويصح خفضه بدلاً من الضمير في (عنه)، ويصح الرفع على أن يكون مبتدأ، وخبره مقدم عليه، وهو غير مكفي(2).
          قوله: (ولا مكفور) يرجع إلى الطعام، أي: لا نكفر نعمتك بهذا الطعام، ونقل ابن الجوزي عن شيخه أبي منصور أن صوابه: غير مكافأ، فيعود إلى الله؛ لأنه لا تكافأ نعمه، وقال ابن التين: أي: لست كافراً لنعمتك وفضلك.
          قوله: (الحمد لله الذي كفانا) أي: لم يحفنا وأعطانا كفاية من طعامه.
          قوله: (وأروانا) أي: أعطانا رياً من شرابنا أذهب به عطشنا.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وكذا الكأس لا يقال إلا إذا كان فيه شراب وإلا فهو قدح)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: إذا كان منصوباً منادى يشكل وذلك أن الدعاء الوارد في القرآن والحديث كله بتقديم ربنا على المدعو به فكيف هنا أخر؟ قلت: يحتمل أن يقال إن هذا ابتداء الدعاء ثانياً ثم يحذف المدعو به اعتماداً على الثاني فيكون معناه استجب ما دعوناك به)).