مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من تتبع حوالى القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية

          ░4▒ باب من تتبع حوالي القصعة
          ثم ساق حديث أنس في الخياط، وأنه ◙ تتبع الدباء من حوالي القصعة، وحمل ابن التين الأول على ما إذا أكل مع غير خدمه وعياله، والثاني إذا أكل مع خدمه وهو أنس، والخياط كان أيضاً مولى لرسول الله كما سيأتي في باب الدباء.
          وأجاز مالك أن يأكل الرجل في أهله وتجول يده في القصعة، وهذا إذا كان الذي في الإناء شيئاً واحداً، فإن كانت أنواعاً فلا بأس أن يأكل مما يلي غيره.
          وعبارة فيه أن الأكل مما يليه من أدب الطعام إلا أن يكون / ألواناً مختلفة فلا بأس أن يأكل من أيها شاء؛ لقوله لعكراش لما أتوا بطبق من تمر ورطب، كما سلف ((كل من حيث شئت؛ فإنه غير لون واحد)). ذكره ابن المنذر في كتاب ((الأطعمة))، وذكره (ت) كما سلف.
          قال: ولا نعرف لعكراش عن رسول الله صلعم سواه، وذكر القرطبي أن الأكل مما يليه سنة متفق عليها، وخلافها مكروه شديد الاستقباح إذا كان الطعام واحداً كما في الحديث. لكن نص الشافعي في ((الأم)) و((الرسالة)) والبويطي على تحريم الأكل من غير ما يليه، ومن رأس الطعام إذا كان عالماً بالنهي.
          والدباء _ممدود_ جمع دباءة، وحكي القصر.
          فصل
          أذكر فيه آداباً للطعام، قال ابن حزم: التسمية على الأكل فرض، واعلموا أن الآدمي مخلوق على جبلة الأكل موظف عليه وظائف من حين أوله إلى حين تناوله، أمر الله بعبادته، وأذن له في التمتع بطيباته فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51] وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}الآية [الأعراف:32]، وقال: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} [المائدة:87].
          روى ابن أبي عاصم من حديث: أن رجلاً جاء إلى رسول الله فقال: ((إني إذا أكلت اللحم انتشرت إلى النساء فحرمه علي، فنزلت هذه الآية)).
          فإذا حصل الطعام في حد التناول فعلى الآكل آداب تنقسم إلى حالات الطعام فيما يتقدم على الأكل، وهو أن يتناول شراءه بنفسه، وأن يعمله بنفسه، وأن يكون حلالاً طلقاً، ومن جهة كسبه؛ وأن لا يكون رشوة، ولا عوضاً عن فاسد، ولا بيد مبتدع، ولا ظالم، ولا ربوي، ولا تاجر، ولا من يغلب على مكسبه الحرام، فإن قدمه له صالح فلا يسأل عنه، وأن يرى النعمة في حصوله له من الله، وأن يأكله بنية التقوي على الطاعة. فإن نوى اللذة أجزأه، وجاز له أن يري للمنعم الشكر؛ فإنه يقال: إن الطعام الواصل إلينا على يد ثلاثمائة وستين صانعاً أولهم ميكائيل.
          وأن يغسل يديه في أوله للنظافة والمروءة، وإن كان الحديث فيه ضعيفاً: ((غسل اليد قبل الطعام يتقي الفقر وبعده يتقي اللمم))، وقد ضعفه ابن الجوزي.
          نعم لابن أبي عاصم: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده، وأصله في (ت): فإن لمح بعضهم فيه الوجوب قيل له: ليس كما زعمت؛ لأنه صح عند (م) أنه ◙ خرج من الخلاء فأتي بطعام فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال: ((أأصلي فأتوضأ))، وينوي بغسلها العبادة؛ لأنه إذا نوى بالأكل التقوي على الطاعة كان التأهب بالغسل له عبادة، ويغسل يديه أيضاً بعد الأكل، وغسلها مالك أول القوم وآخرهم وقال: هو الأولى.
          وأن يجعل طعامه على الأرض دون خوان، كما جاء في الحديث: ((لم يأكل ◙ على خوان)) فإن لم تطمئن بذلك نفسه وضعه على سفرة، وإن وضعه على مائدة جاز، وإن كانت بدعة ولا كراهة، ولا يباشر به الأرض؛ لئلا يتعلق به شيء يتأذى منه، وكان ◙ لا يأكل على السفر.
          وأن يجلس على الأرض وينصب رجله اليمنى ويعتمد على اليسرى، ولا يضطجع.
          وأن يبدأ بالملح ونحوه، ذكر ابن طاهر في ((صفة التصوف)) من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلعم قال: ((يا علي، ابدأ بالملح واختم به فإن فيه شفاء من سبعين داء)) ثم قال: وسند[ه] ضعيف.
          ولا يديم أكل اللحم؛ لأن عمر وعائشة نهيا عن ذلك، ولا يأكل وذو عينين ينظر إليه، وقد ورد مرفوعاً: ((من فعل ذلك ابتلي بداء لا دواء له)).
          ولا يأكل حتى يجوع، لا كما يزعم بعض الجهلة أنهم يأكلون بالعادة، ولهذا قيل لبعضهم: أي طعام أطيب؛ قال: الجوع.
          وأن يرضى بما تيسر ولا يتكلف ولا يأكل وحده؛ وإذا أكل مع عياله كان دفعاً للكبر، كما في حديث عبد الله ابن أبي عاصم، وأن تكثر الأيدي على الصحف وأكثرهم ثمانية _ذكره ابن أبي عاصم_، وإن كانوا عشرة جاز، ذكره البيهقي في حديث.
          ولا يتعود طعاماً واحداً، وإن عمله له غيره أجلسه ليأكل معه، وإلا فليناوله لقمة أو لقمتين، كما أخرجه (خ) (م) / ، ولا يأكل في آنية مجوسي إلا بعد غسله؛ كما ثبت في ((الصحيح)).
          ويجوز أن يجمع على مائدته بين لونين، لا كما يزعم بعض الصوفية، ويذكرون فيه حديثاً غير صحيح، وأن يعدد العراق على الخادم؛ ليدفع عن نفسه سوء الظن، كذا كان يفعله سلمان، وأن يصغر لقمته ويطيل مضغها، ولا يمد يده إلى أخرى ما لم يبلعها، وإن كان التاريخي ذكر أن عمر بن الخطاب كان يأكل كل يوم أحداً وعشرين لقمة، كل لقمة كرأس الجدي، منها سبعة بملح، فهذا بالنسبة إلى طول عمر، وعجلته للنظر في مصالح المسلمين.
          وفي ((الموطأ)): أنه كان يطرح له عن عشائه صاع من التمر فيأكله ويأكل معه حشفه، وفي ((ربيع الأبرار)): كان معاوية(1) من أنهم الناس وكان يأكل حتى يتسطح، ثم يقول: يا غلام ارفع فوالله ما شبعت ولكني مللت، وكان يأكل كل يوم سبع مرات أعظمهن ثريدة في جفنة على وجهها عشرة أفنان من البصل.
          وأن يأكل بنصف بطنه وإن كان رخاء، عكس ما قال:
كلوا في بعض بطنكم تعيشوا(2)                     فإن زمانكم زمن خميص
          وفي الحديث: ((ثلث للطعام...)) كما سلف.
          وذكر المهلب أن عمر هم سنة المجاعة(3) أن يجعل مع أهل كل بيت مثلهم وقال: لن يهلك أحد عن نصف قوته.
          وأن يجيد المضغ، ولا يذم طعاماً، ويقدمه على الصلاة إذا كان صائماً ونفسه تتوق إليه، كما صح في الحديث، وأن لا ينظر إلى غيره؛ فإنه شره وبله، ويبدأ بالأكل إذا كان رب المنزل أو من يقتدي به، وأن يقدم لطيف الطعام كالفاكهة وشبهها قبل ثقيله _نص عليه أبقراط_ ثم اللحم ثم الحلاوة فيختم بها، ولا يجعل على الخبز زفراً يتقزز من أكله غيره، فإن الحاكم صحح: ((أكرموا الخبز)).
          وأن يأكل بيد واحدة إلا أن يكون طعام يدين، كان حسان بن ثابت إذا دعي إلى الطعام قال: طعام يد أو يدين؟ فإن قالوا: يدين جاء، وإلا لم يأت، وأن يأكل باليمين كما سلف، وأن يأكل بثلاث أصابع، وإن شاء بخمسة، ذكره ابن أبي شيبة في ((مصنفه)).
          وأن ينهش اللحم، وإن وقعت عنه لقمة أماط ما عليها من الأذى وأكلها؛ ولا يدعها للشيطان، ولا ينفخ في الطعام، يدعه حتى يبرد؛ فإن الحار لا بركة فيه، ويقابل بين الأطعمة يضم ثقيلاً إلى خفيف، ورطباً إلى يابس، وحارًّا إلى بارد، وأن يأكل من الخبز بيدين إن كان قفاراً، وإن كان بإدام نقص منه بمقدار الطعام، ولا يسرف، وعلامته أن يرفع يده وهو يشتهيه.
          فقد ذكر عن عبد الله بن المغفل قيل له: إن ابنك أكل طعاماً كاد يقتله فقال: لو مات ما صليت عليه. وقال الحسن: إن الأرض لتضج إلى الله تعالى من المتخم، كما تضج من السكران. قال الروياني: ويكره أن يزيد على قدر الشبع. وهو ما ذكره الرافعي في أواخر الأطعمة.
          وفي ((الحاوي)) تحريمه، وهو ما اقتضاه كلام الشيخ عز الدين قال: ولا يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار، قال: وكذا لو كان الطعام قليلاً فأكل لقماً كباراً مسرعاً في مضغها وابتلاعها حتى يحرم أصحابه.
          قال الطبري: ولا يجوز الأكل والشرب باليد اليسرى، إلا لمن كانت بيمنى يديه علة مانعة من استعمالها، ومثله الأخذ والإعطاء، وقصة علي السالفة لا تدفعه؛ لأنه إنما يدل على استعمال اليسرى في وقت شغل اليمنى بالطعام، وإذا كانت كذلك فصاحبها معذور.
          وأن لا ينهش القطعة ويردها في الصحفة، ويأكل في الملأ كأكله في الخلوة، ولا يأكل في سكرجة، ولا خبزاً مرققاً للاتباع، فإن فعل فلا حرج، ولا يأكل في آنية ذهب وفضة؛ للنص، ولا في رفيع نوعه كالياقوت وشبهه، وإن انتهى أكله يلقط ما سقط من الفتات.
          ذكر أبو هلال العسكري في كتاب ((البقايا)): أن أبا حنيفة كان يسميه الوغم، وفي ((ربيع الأبرار)) عن رسول الله: ((من لقط ما حول الخوان حرم الله جسده على النار))، وفي لفظ: ((عوفي في ولده وولد ولده من الحمق، وعاش في سعة)).
          ويمسح أصابعه بعد لعقها بالمنديل، وقال مالك عن ابن عمر أنه كان يمسحها برحله، وأن يستعمل الأشنان، ويأخذه بيمينه، كما فعله بشير السلمي، وكانت له صحبة ذكره ابن طاهر.
          وقال الغزالي: وكيفيته أن يغسل / الأصابع الثلاث(4) من اليمنى أولاً، ويضرب أصابعه على الأشنان اليابس، ويمسح به شفتيه، ولا يكره الغسل في الطست، وله أن يتنخم فيه إن كان وحده، وأن يقدم المتبوع ويكون الخادم قائماً، ويصب صاحب المنزل الماء على يد ضيفه.
          ومن آدابه: حمد الله في آخر الأكل(5) جهراً مع الصلاة كما سلف، فيقول: الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا. كما سيأتي.
          وقد سلف أن من آدابه أن يبسمل أولاً، وتكفي التسمية من واحد، وقال الغزالي: يقول مع اللقمة الأولى: بسم الله، ويزيد في الثانية: الرحمن، وفي الثالثة: الرحيم، وأن يناهدوا على الطعام وهي المخارجة وتسمى النهد _بفتح النون وكسرها_، وفسره القابسي بطعام الصلح بين القبائل، والأول أعرف.
          ويقدم الخبز عند ضيفه قبل ذلك بيوم، ويقدم إليهم نزلاً يسيراً؛ ليأتي إليهم بما أعده جملة واحدة ليقف جميعهم على جميعه، فإن لم يتفق الإتيان بجميعه أعلمهم به. ولا يصف لهم طعاماً ليس عنده، ولا يدخر عنهم شيئاً، ويقدم ضيفه على عياله؛ كما فعل أبو طلحة وأم سليم بأبي هريرة، كما ذكره الطبراني في ((أوسطه))، وبعضهم كرهه ولا اعتبار به، ولا ينتظر [بالخبز] إذا حضر غيره، بل يبادر إلى أكله.
          ويجمع في مائدته بين فقير وغني، ويخدم الآكلين عنده، وأن تخدمهم أهله، ولا يجعل على مائدته قائماً ويأكل ما يشتهي، فإن تركه إيثاراً جاز.
          وكره بعضهم القران، ولا كراهية فيه؛ لأن النهي عنه إنما كان لضرورة، وقد زالت، ذكره ابن شاهين في ((منسوخه)) إلا أن يكونوا متناهدين، وأن يجتمعوا على الطست خلافاً لما يصنعه الأعاجم، فيما ذكره ابن طاهر: ((أترعوا الطسوس وخالفوا المجوس))، وأن يمسح عينه ببلل يده، ولا ينفض يده.
          وفي الحديث: ((إذا توضأتم فأشربوا أعينكم الماء))، وأن يتخلل بعد فراغه.
          وفي الحديث: ((حبذا المتخللون من الطعام؛ فإنه ليس شيء أشد على الملك الذي مع العبد من أن يجد من أحدكم ريح الطعام)) وإن أكل ما يخرج من أسنانه بلسانه، فلا حرج عليه، وفي الحديث في (د) ولا يكره الأكل ماشياً، والمختار أن الشرب قائماً بلا عذر خلاف الأولى.
          قال الغزالي: ويكره الأكل قائماً، وصرح النووي في ((فتاويه)) بأنه لا يكره، أعني: الشرب قائماً، وخالف في ((شرح م)) وقال: الصواب أن النهي محمول على الكراهة وفعله له؛ لأجل البيان، ويستحب أن يتقيأ، فإن أكل تمراً فلا بأس بتبقيته، وفيه حديث في (د).
          ولا يأكل من طعام لم يدع إليه، وفي الحديث أنه دخل فاسقاً وأكل حراماً، رواه أبو هريرة وعائشة، وأن يلحس القصعة فإنها تستغفر له، ذكره (ت).
          وفي كتاب رزين فتقول: أعتقك الله كما أعتقتني من الشيطان، وإن سقط في طعامه ذباب فلا يتقزر منه وليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء كما صح.
          وإن أكل معه ذو عاهة فلا يتقزر منه؛ إن سهل ذلك عليه؛ ولم يخف العدوى، وليقل كما قال الشارع في (د): ((كل ثقة بالله وتوكلاً عليه))، وفعله أيضاً أبو بكر وعمر، وإن خشي ذلك فلا يأكل معه، وليفر منه كفراره من الأسد.
          فإن كان الآكل ضيفاً فليتوق تسعة وعشرين عيباً، رواها في كتاب ((فوائد الموائد)): التشوف إلى الباب لمجيء الطعام، وعد الزبادي إذا حضرت، والزحف إلى الأكل من قبل الإذن، وإذا أكل لا يجرف لقمته من جانب الزبدية إلى الجانب الآخر، ولا يجعل اللقمة في فمه يرشفها ويسمع لها حس، ولا ينفض أصابعه / وهو يأكل، ولا يهتدم اللقمة بأسنانه ثم يضعها في الصحفة، ولا ينتهب في وجوه جلسائه؛ ليأكل ما بين أيديهم من اللحم، ولا يلت اللقمة بأصابعه قبل وضعها في الطعام، ولا يمد يده ميمنة وميسرة يأخذ الزبادي أو اللحم، ولا يتخلل بأظفاره، ولا يحمل معه شيئاً من المائدة، ولا يرنخ اللقمة في المرق؛ ليسهل بلعها، ولا يوسخ جاره والخبز، ولا يفتش على اللحم بأصابعه، ولا يكشف شواربه من الودك باللقمة ثم يأكلها، ولا يملأ الطعام لباباً، ولا يسيغ الطعام بإمجاج البيض حتى يبرد في الزبدية، ولا ينفخ فيه _أي: في الطعام الحار(6)_ ولا يحمي بين يديه الزبادي عن غيره، ولا يجنح؛ حتى يوسع لنفسه، ولا يذكر حين الأكل أحاديث تغثى منها الأنفس.
          والأدب: التحدث على الطعام بما لا إثم فيه، ولا يرفع زبدية من مكانها ويضع مكانها غيرها، وإذا غسل يده لا يتحدث فيشغل الخادم عن خدمة غيره، ولا يكركب في الطست، ولا يغسل يده بالأشنان ثم يأخذه من يده فيتسوك به، ولا يشرب فضل غسل فيه(7).
          فصل
          من أدب الضيف ألا يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه، ومن أدب المضيف أن يشيعه عند خروجه إلى باب الدار؛ فهو سنة. وينبغي للضيف أن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وستورهن، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام، وإذا حضر المدعوون وتأخر واحد أو اثنان عن الوقت الموعود فحق الحاضرين في التعجيل أولى من حقهما في التأخير، إلا أن يكون المؤخر فقيراً ينكسر قلبه بذلك، فلا بأس به.
          ويستحب أن يكون على المائدة البقل، فإذا دخل ضيف للمبيت فليعرفه رب الدار _عند الدخول_ القبلة وبيت الماء وموضع الوضوء، ويستحب أن ينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة، ويكره الأكل والشرب مضطجعاً.
          قال الغزالي: إلا ما ينتقل به من الحبوب، قال: ويأكل من استدارة الرغيف إلا إذا قل الخبز فيكره، ولا يقطع بالسكين، ولا يوضع على الخبز إلا ما يؤكل به، ولا يمسح يده فيه، ولا يقطع اللحم.
          ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق، ولا يترك ما استرذله من الطعام في القصعة، بل يجعله مع البقل؛ لئلا يلتبس على غيره، فيأكله، ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل، ولا الخل في الدسمة، وإذا قلل رفيقه الأكل نشطه، ولا يزيد في قوله: كل، على ثلاث مرات.
          قال الغزالي: وأما الحلف عليه بالأكل فممنوع، ولا يقوم حتى يرفع المائدة، ولا يبتدئ بالطعام ومعه من يستحق التقديم، إلا أن يكون هو المتبوع، ولا يشرب في أثناء الطعام إلا لضرورة، وورد النهي عن الشرب من ثلمة القدح، ويستحب إدارة المشروب عن يمين المبدأ بالشرب.
          وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفاً فيقول: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة. وإن كان صائماً دعا أيضاً.
          وقال الغزالي: وإن أكل طعاماً قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات، اللهم أطعمنا طيباً واستعملنا صالحاً، وإن كان فيه شبهة قال: الحمد لله على كل حال، اللهم لا تجعله قوة لنا على معصيتك، قال: ويقرأ بعد الطعام: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش:1]، و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وإن كان المأكول لبناً قال: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وزدنا منه، وإن كان غيره قال: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وارزقنا خيراً منه.
          ويكره أن يأكل متكئاً كما سيأتي، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه، وخصه بعضهم بما إذا أكل مع غيره، ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يتنفس في الإناء / ، وينفخ فيه.
          ويكره أن يتمخط ويبصق في حال أكلهم إلا لضرورة، وأن يقرب فمه من القصعة؛ بحيث يرجع من فمه إليها شيء، ويستحب لعق أصابعه، وأن يأكل اللقمة الساقطة، ما لم تتنجس أو يتعذر تطهيرها.
          والأولى أن لا يأكل وحده، ولا يرتفع عن مؤاكلة الغلام ونحوه، وأن لا يتميز عن جلسائه بنوع إلا بحاجة، وأن يمد الأكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الأكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، ويستحب الترحيب بالضيف وحمد الله على حصوله ضيفاً عنده وسروره به، وثناؤه عليه لجعله أهلاً ليضيفه.
          ورأيت في ((الخصال)) لأبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا: أن من سنة الأكل قلة النظر في وجه صاحبك، والجلوس على إحدى راحتيك، والرضا والشكر.
          باب من تتبع حوالي القصعة
          فيه حديث أنس: ((أن خياطاً دعا النبي صلعم...)) الحديث وسلف في البيوع، وتكرر في الباب، وأخرجه (م) (د) (ت) (ن).
          ومن عادة (خ) ⌂ أن يبوب أولاً على أمر ثم يبوب بعده باباً آخر ينبه فيه على المراد منه، والجمع بين مختلفه ظاهراً، فذكر أولاً حديث الأكل مما يلي الشخص ثم أعقبه بهذا الباب؛ لبيان جوازه في حالة إذا لم يعرف من أحد كراهة لذلك فهو مفسر له في الحقيقة، ودال على أن المراد بذلك إذا كان يأكل مع غير عياله، ومن يتقزر جولان يده في الطعام، فأما إذا أكل مع أهله ومن لا منة عليه منهم من خالص إخوانه، فلا بأس أن تجول يده فيه؛ استدلالاً بهذا الحديث، وإنما جالت يده الكريمة فيه؛ لأنه علم أن أحداً لا ينكر ذلك، ولا يتقزر منه، بل كل مؤمن ينبغي له أن يتبرك بريقه الكريم، وما مسه بيده، ألا تراهم كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتبركون بها، وكذلك من لم يتقزؤه مؤاكله له أن تجول يده في الصحفة.
          وأسلفنا أن هذا الخياط مولى رسول الله، ذكره في باب: الدباء، وذكره في باب: من أضاف رجلاً إلى الطعام، وأقبل هو على عمله قال: فدخل رسول الله على غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام... الحديث، وذكره في باب القديد أيضاً كما سيأتي.
          قال ابن عبد البر: في هذا الحديث إجالة اليد في الصحفة، وهذا عند أهل العلم لا يحسن إلا بالرئيس ورب البيت، وأيضاً كالمرق والإدام وسائر الطعام إذا كان فيه نوعان أو أنواع فلا بأس أن تجول اليد فيه للتخيير فيما وضع من المائدة من أصناف الطعام؛ لأنه قدم للأكل، وليأكل كل ما أراد.
          وقال ابن التين: فعله ذلك؛ لأنه كان يأكل وحده؛ لأن في الحديث أن الخياط أقبل على عمله. وقد سلف عن أنس أنه قال: كنت ألقيه إليه ولا أطعمه، وإقبال الخياط على عمله ليس سوء أدب منه ولا من غيره؛ لإقراره ◙ على ذلك، ولم ينكره.
          وأكل المضيف مع الضيف ليس فيه إلا البسط لوجهه فمن قدر عليه فهو أبلغ، ومن تركه فهو واسع.
          من تراجم (خ) على هذا الحديث باب من قدم إلى أصحابه على المائدة شيئاً. ثم نقل عن ابن المبارك: لا بأس أن يناول بعضهم بعضاً فيمن على مائدة واحدة؛ لأن ذلك الطعام إنما قدم لهم بأعيانهم ليأكلوه، فقد صار من حقوقهم وهم فيه شركاء، فمن ناول صاحبه مما بين يديه فكأنه آثره بنصيبه وما يجوز له أكله، فمباح له ذلك.
          وأما من كان على مائدة أخرى فلا حق له في ذلك الطعام ولا شركة، فلذلك كره العلماء أن يناول رجل من كان على مائدة أخرى، ومن هذا نهيه ◙ عن الأكل من وسط الصحفة؛ فإن البركة تنزل في وسطها.
          قال الخطابي: هذا في حق من يأكل مع غيره؛ لأن وجه الطعام أطيبه وألينه، فإذا قصده الإنسان كان مستأثراً على غيره.
          وقول أنس: ((فلم أزل أحب الدباء)) فيه الحرص على التشبه بالصالحين والاقتداء بهم في مطاعمهم واقتفاء آثارهم في جميع أحوالهم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وهو أمنة الخلفاء غالبهم أكلة، والحجاج أيضاً كان أكلة، قيل: إنه أكل في مجلس واحد مائة رغيف بمائتي كلوة جدي، وسلمان بن عبد الملك أكل أربعين دجاجة وأربع وثمانين كلوة مسومة بشحمها وثمانين خروفة ثم أكل العادة على السماط)).
[2] في هامش المخطوط: في (خ): ((تعفوا)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: سنة المجاعة كانت سنة ثماني عشرة وهي عام الرماد أخذت الناس تسعة أشهر ثم فرج الله)).
[4] في هامش المخطوط: ((وهن الإبهام والسبابة والوسطى)).
[5] في المخطوط: ((الآخر)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[6] في هامش المخطوط: ((أقول: قيل ثلاثة ليس فيها بركة: الطعار الحار والمنفوخ فيه والحرام)).
[7] في هامش المخطوط: ((أقول: قال الراضي بالله: كل طعام اعتد عليه التسخين فلا شيء.
ابنه أبو علي أحمد بن محمد دعا يوماً منصور الساجي إلى مائدته فقال أنا الساق سوقي لا أحسن مؤاكلة الملوك، فقال: يا منصور ليكن طرف كمك نظيفاً وأظفارك ملقومة وصغر اللقمة ولا تدسم الملح والخل وكل مع من شئت)).