مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الثريد

          ░25▒ باب الثريد
          فيه ثلاثة أحاديث:
          1- حديث مرة الهمداني بإسكان الميم عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلعم: ((كمل من الرجال كثير)) الحديث.
          وسلف في فضلها، ومقتضاه فضل عائشة على فاطمة، والذي أراه أن فاطمة أفضل؛ لأنها بضعة منه ولا تعدل ببضعته.
          2- حديث أبي طوالة، عن أنس، عن النبي صلعم قال: ((فضل عائشة..)) الحديث سلف هناك أيضاً، وأبو طوالة: اسمه عبد الله بن عبد الرحمن، كما سماه / هناك، وجده معمر بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار، قاضي المدينة لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في خلافة عمر بن عبد العزيز، مات في خلافة أبي العباس السفاح، أخرجا له.
          3- حديث ثمامة عن أنس في الدباء. وقد سلف، وفيه الأشهل بن حاتم مولى بني جمح من أفراده، ضعفه الراويان، وثمامة هو ابن عبد الله بن أنس بن مالك، روى له الجماعة.
          والثريد أذكى الطعام وأكثر بركة، وهو طعام العرب، وقد شهد الشارع بالكمال لمريم وآسية، وشهد لعائشة بفضلها على النساء، وهل تدخل في ذلك مريم وآسية، ولا شك أن مريم مصطفاة بالنص، أي: مختارة ومطهرة من الكفر أو الأدناس: الحيض والنفاس، واصطفاؤها على نساء العالمين دال على تفضيلها على جميع نساء الدنيا؛ لأن العالمين جمع عالم، وقد جعلها وابنها آية؛ كونها ولدت من غير فحل؛ وجاءها جبريل ولم يأت غيرها من النساء قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم:17]، واختار جماعة نبوتها: ابن وهب وأبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن اللباد فقيه المغرب وابن أبي زيد والقابسي، وعلى هذا فأول الحديث على العموم في مريم وآسية، وآخره على الخصوص في عائشة، ويكون المعنى: فضلهما على جميع نساء كل عالم، وفضل عائشة على نساء عالمها خاصة، وأباه طائفة أخرى وقالوا: تفضل عائشة على جميع النساء. ولم يقولوا بنبوة مريم ولا أحد من النساء.
          وحملوا آخر الحديث على العموم، وأوله على الخصوص وقالوا: قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ [وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ] عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} [آل عمران:42] يعني: عالمي زمانها، وهو قول الحسن وابن جريج، ويكون قوله: ((فضل عائشة)) على نساء العالمين كلها. ومن حجتهم: قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران:110] فعلم بهذا الخطاب أن المسلمين أفضل جميع الأمم، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} [الأحزاب:32] فدل عموم هذا اللفظ على فضل أزواجه على كل من قبلهن وبعدهن(1).
          وقام الإجماع على أن نبينا محمداً أفضل من جميع الأنبياء، فكذلك نساؤه ◙ لهن من الفضل على سائر نساء الدنيا نظير ما للنبي ◙ من الفضل على سائر الأنبياء. وقد صح أن نساءه معه في الجنة، ومريم مع ابنها وأبيها في الجنة، ودرجة نبينا في الجنة فوق درجة هؤلاء كلهم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فيلزم ما قاله فضيلة سائر نساء النبي على مريم وآسية وفيه نظر، وإنما الخلاف في عائشة وغيرها من النساء كمريم وآسية وخديجة وفاطمة وقد أسلفنا فيه فوائد في المناقب)).