الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

معلق الليث: ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي

          3568- وبالسند قال: (وَقَالَ اللَّيْثُ): مما وصلَه الذُّهْليُّ في ((الزُّهرياتِ)) عن أبي صالحٍ عن اللَّيثِ (حَدَّثَنِي): بالإفراد (يُونُسُ): أي: ابنُ يزيدَ الأيليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): أي: محمدِ بنِ مسلمٍ الزُّهريِّ (أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي): بالإفراد (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ): أي: ابنِ العوَّامِ (عَنْ عَائِشَةَ ♦ أَنَّهَا قَالَتْ: أَلاَ): بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيهِ (يُعْجِبُكَ): بضم التحتية أوله وسكون العين المهملة، من: الإعجابِ، وبفتح ثانيه وتشديد الجيم، من: التعجيبِ، قاله في ((الفتح)) كـ((التنقيح)).
          (أَبُو فُلاَنٍ): نائبُ فاعلٍ مرفوعٌ بالواو للأكثرِ، وعند أبي ذرٍّ: <أبا فلانٍ> على لغةِ مَنْ يلزِمُ الأسماءَ الستَّةَ الألفَ، وهو قليلٌ كقولِه: وضربَه بأبا قُبيسٍ، ونسبَ هذه الروايةَ في ((الفتح)) للأكثرِ، فليُتأمَّل.
          وجَّهَها القاضي عياضٌ بأنَّهُ منادًى بكُنيتِه، وتعقَّبَه في ((الفتح)) بأنَّ عائشةَ إنَّما خاطبَتْ عروةَ بقولِها: ((ألا يعجِبُك))، ثم ذكرَت له المتعجَّبَ منه؛ وهو: أبو هريرةَ معبِّرَةً عنه بقولِها: ((أبا فلانٍ)) فهو على اللُّغةِ القليلةِ، انتهى.
          ويدلُّ لأنَّ المرادَ به أبو هريرةَ ما عند مسلمٍ وأبي داودَ: ((ألا أُعجِبُك من أبي هريرةَ))، ويُروى: ((أتى فلانٌ)) بمثناة فوقية بعد الهمزة من: الإتيانِ، فـ((فلانٌ)) فاعلُه، نبَّهَ عليها الزركشيُّ، وعزاها الحافظُ ابنُ حجرٍ للقابِسيِّ، ونقَلَ عن بعضِهم أنَّها تصحيفٌ، وقال: لأنَّه تبيَّنَ من الروايةِ الأخرى أنَّه بصيغةِ الكنيةِ، لا بلفظِ الاسمِ المجرَّدِ عنها، والعجَبُ أنَّ القابِسيَّ أنكرَ غيرَ روايتِه، وقال عياضٌ: هي الصوابُ لولا قولُه بعده: ((جاء))؛ أي: لأنَّه يصيرُ تَكراراً، انتهى ما في ((الفتح))، وعلى ما قدَّمناه لا تَكرارَ، فتأمل.
          وجملةُ: (جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي): مستأنفةٌ لبيانِ وجهِ التعجُّبِ من أبي فلانِ، وهو: أبو هريرةَ، وعلى روايةِ القابِسيِّ تكونُ بياناً لإتيانِ فلانٍ وتفصيلاً له، فتأمل.
          وجملةُ: (يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلعم): حاليةٌ، أو مستأنفةٌ كجملةِ: (يُسْمِعُنِي ذَلِكَ): أي: تحديثَه الأولَ، وجملةُ: (وَكُنْتُ أُسَبِّحُ): بتشديد الموحدة؛ أي: أصلِّي صلاةَ الضحى، أو أعمُّ، وقيل: هو على ظاهرِه؛ أي: أنزِّهُ اللهَ بالتسبيحِ، والأنسبُ الأولُ؛ لقولِها: (فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ): أي: أتمِّمَ (سُبْحَتِي): بضم السين المهملة؛ أي: صلاتي (وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ): أي: أبا فلانٍ (لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ): أي: لأنَّه كان يسرُدُ الحديثَ ولا يرتِّلُه، وبيَّنَتْ وجهَه بقولِها: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ): بضم الراء (الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ): فـ((إنَّ)) بكسر الهمزة؛ لأنَّ الكلامَ مستأنفٌ، ويحتملُ فتحَها على تقديرِ لامِ التعليلِ؛ أي: لأنَّ رسولَ اللهِ صلعم لم يكُنْ يتابعُ الحديثَ بحيثُ يلتبُس على السامعِ ولا يفهمُه، بل يتكلمُ بكلامٍ واضحٍ مفهومٍ لكلِّ أحدٍ، بل كان يعيدُ الكلمةَ ثلاثاً لتُفهَمَ عنه، وزاد الإسماعيليُّ: ((إنما كان حديثُ رسولِ اللهِ صلعم فصلاً تفهمُه القلوبُ)).
          قال في ((الفتح)): واعتُذِرَ عن أبي هريرةَ بأنَّه كان واسعَ الروايةِ كثيرَ المحفوظِ، فكان لا يتمكَّنُ من التمهُّلِ عند إرادةِ التحديثِ، كما قال بعضُ البلغاءِ: أريدُ أن أقتصِرَ، فتتزاحمُ القوافي عليَّ، انتهى، فتأمله. فإنَّ قولَ بعضِ البلغاءِ لا يستلزِمُ السَّرْدَ والتتابُعَ.