الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا

          3559- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): بفتح العين، لقبُ عبدِ اللهِ بنِ جبَلةَ المروَزيِّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ): بفتح الحاء المهملة والزاي، هو: محمَّدُ بنُ ميمونٍ اليشكُريُّ المروزيُّ أيضاً (عَنِ الأَعْمَشِ): هو: سليمانُ بنُ مَهرانَ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): بهمزة مكسُورة بعد الألف، هو: شقيقُ بنُ سلَمةَ (عَنْ مَسْرُوقٍ): أي: ابنِ الأجدعِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو): بفتحِ العين؛ أي: ابنِ العاصِي (☻): ولمسلمٍ بسندِه إلى الأعمشِ قال: ((دخَلْنا على عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو حين قَدِمَ مع معاويةَ الكوفةَ، فذكرَ رسولَ اللهِ صلعم)).
          قال في ((الفتح)): والإسنادُ كلُّه كوفيون سوى طرفَيه وقد دخلاها.
          (فقَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلعم فَاحِشًا): أي: ناطقاً بالفُحشِ، وهو: الزيادةُ على الحدِّ في الكلامِ السيئِ (وَلاَ مُتَفَحِّشًا): بكسرِ الحاء المشدَّدة؛ أي: المتكلِّفُ للفحشِ، فرسولُ الله عليه السلامُ لم يكُنِ الفحشُ خلُقاً له ولا متكسَّباً، وللترمذيِّ عن أبي عبدِ الله البَجَليِّ قال: سألتُ عائشةَ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلعم فقالت: ((لم يكُنْ فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا سخَّاباً في الأسواقِ، ولا يَجزِي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يعفو ويصفحُ)).
          وللمصنِّفِ في الأدبِ عن أنسٍ: ((لم يكُنْ رسولُ اللهِ صلعم سبَّاباً ولا فحَّاشاً ولا لعَّاناً، كان يقولُ لأحدِنا عند المعتِبةِ: ما له تربَتْ جبينه)) ولأحمدَ عن أنسٍ: ((أنَّ النبيَّ صلعم كان لا يواجِهُ أحداً في وجهِه بشيءٍ يكرهُه))، وما أحسنَ قولَ الأبوصِيريِّ:
كرُمَتْ نفسُه فما يخطُرُ                     السُّوءُ عَلى قلبِهِ ولَا الفَحْشَاءُ
          ولمسلمٍ عن عائشةَ: ((كان خلقُه القرآنَ، يغضَبُ لغضَبِهِ، ويرضَى لرضَاه)).
          وللطبرانيِّ في ((الأوسط)) بإسنادٍ حسنٍ عن صفيَّةَ بنتِ حُييٍّ قالت: ((ما رأيتُ أحداً أحسنَ خُلقاً من رسولِ اللهِ صلعم)).
          وروى أبو داودَ عن عائشةَ قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلعم إذا بلغَه عن الرجلِ الشيءُ لم يقُلْ: ما بالُ فلانٍ يقولُ؟ ولكن يقولُ: ما بالُ أقوامٍ يقولون؟)).
          (وَكَانَ): أي: النبيُّ صلعم (يَقُولُ): ولمسلمٍ قال: ((وقال رسولُ اللهِ صلعم)) (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا): بنصبِ: ((أحسنَكم)) / اسمُ: ((إنَّ)) مؤخَّرٌ، ولمسلمٍ: ((أحاسِنَكم))، و((أخلاقاً)) تمييزٌ، وهو جمعُ: خُلُقٍ _بضم الخاء_: ملَكةٌ تصدرُ عنها الأفعالُ بسهولةٍ من غيرِ رَويَّةٍ، وحُسنُه: اختيارُ الفضائلِ وتركُ الرذائلِ، وأمهاتُه داخلةٌ تحت قولِه تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، وهو صفةُ الأنبياءِ والأولياءِ، واختُلِفُ في أنَّه غريزةٌ أو مكتسَبٌ، واستدلَّ القائلون بالأولِ بما عند البخاريِّ عن ابنِ مسعودٍ: ((إنَّ الله قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكُم أرزاقَكُم)).
          وحديثُ البابِ أخرجَه المصنِّفُ أيضاً في الأدبِ، ومسلمٌ في الفضَائلِ، والترمذيُّ في البرِّ.