الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب علامات النبوة في الإسلام

          ░25▒ (بَابُ عَلاَمَاتِ): جمع علامة؛ أي: دَلائل (النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ): أي: الواقعة في زمن الإسلامِ، فالجار والمجرور صفة، ويحتملُ أنه حال، والمراد: الواقعةُ من حين المبعثِ دون ما وقعَ قبل ذلك.
          قال في ((الفتح)): وقد اعتنَى بجمعها بعد المبعثِ جماعةٌ من الأئمة كأبي نُعيم والبيهقي وغيرهما، وقد جمعَ ما وقع من ذلك قبل المبعث، بل قبل المولد الحاكم في ((الإكليل))، وأبو سعيد النِّيسابوري في ((شرف المصطفى))، وأبو نُعيم والبيهقي في ((دلائل النبوة))، وعبَّر بالعلامات ليشملَ المعجزات والكرامات.
          قال في ((الفتح)): الفرق بينهما: أنَّ المعجزة أخصُّ؛ لأنه يشترط فيها أن يتحدَّى النبي من يكذِّبه، بأن يقول: إن فعلت كذلك أتصدَّق بأني صادقٌ؟ أو يقول من يتحدَّاه: لا أصدقك حتى تفعلَ كذا. ويشترطُ أن يكون المتحدَّى به مما يَعجَزُ عنه البشرُ في العادة المستمرة، وقد وقعَ النوعان للنَّبي صلعم في عدَّة مواطن.
          وسمِّيت بالمعجزةِ لعجز من تقعُ عندهم عن معارضَتِها، والهاء فيها للمبالغة، أو هي صفة محذوف. وأشهرُ معجزاتِ النَّبي صلعم القرآن؛ لأنه صلعم تحدَّى به العرب، وهم أفصحُ الناس لساناً، وأشدُّهم اقتداراً على الكلامِ مع شدَّة عداوتِهِم له، فتحدَّاهُم بأقصرِ سورة، قال بعضُهم: هو {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، فعجزوا عن الإتيان بمثلهِ. قال: ومثل ذلك من سُورة أخرى بأن قدر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، سواء كان آية أو أكثر أو بعضَ آيةٍ، فهو داخل فيما تحدَّاهم به، وعلى هذا فتصلُ معجزات القرآن من هذه الحيثية إلى عددٍ كثير جداً. انتهى.
          ومن ثم قال كثيرون: قد احتوى القرآن العظيم على ستين ألف معجزة بل أكثر من مُعجزات نبينا صلعم.
          ثم قال في ((الفتح)) بعد أن ذكرَ من وجوهِ إعجاز القرآن أشياء، قال: وذكر النوويُّ في ((شرح مقدَّمة شرح مسلم)): إن معجزات النَّبي صلعم تزيد على ألف ومائتين، وقال البيهقي في ((المدخل)): بلغت ألفاً، وقال الزاهديُّ من الحنفية: ظهرَ على يديه ألف معجزة، وقيل: ثلاثة آلاف.
          وقال أيضاً: وأمَّا ما عدا القرآنِ من نبعِ الماء من بين أصابعهِ، وتكثير الطعام، وانشقاقِ القمر، ونطقِ الجماد، وغير ذلك منه ما وقعَ التَّحدي به، ومنه ما وقعَ دالًّا على صدقهِ من غير سبقِ تحدٍّ. وأطالَ في ذلك.