الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان

          3554- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): بفتحِ العين المهملةِ، هو: عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ جبَلةَ، قال: (حَدَّثَنَا): ولأبي ذرٍّ: <أخبرَنا> (عَبْدُ اللَّهِ): أي: ابنُ المباركِ، قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ): أي: ابنُ يزيدَ الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو: محمدُ بنُ مسلمِ بنِ شهابٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي): بالإفرادِ (عُبَيْدُ اللَّهِ): تصغير: عبدٍ (ابْنُ عَبْدِ اللهِ) أي: ابنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ؛ أحدُ الفقهاءِ السَّبعةِ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم أَجْوَدَ النَّاسِ): أي: مطلقاً (وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ): سبقَ الكلامُ في أوائلِ الكتابِ وفي كتابِ الصِّيامِ على هذا الحديثِ مبسُوطاً معنًى وإعراباً، لكن قال القسطلانيُّ هنا: بنصبِ: <أجودَ> الثاني في الفرعِ، وفي ((اليونينيةِ)): بضمِّها، وفي النَّاصريةِ: بالوجهَين، انتهى.
          وأقول: وجهُ النصبِ: عطفُه على: ((أجودَ)) الأولِ الواقعِ خبرَ: ((كان))، وأمَّا الرفعُ؛ فعلى أنَّه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ وجوباً على حدِّ قولِهم: أكثرُ شُربي السَّويقُ مَلتُوتاً.
          (حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلام) أي: لمدارسةِ القرآنِ أو أعمُّ (وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ): أي: ليتقرَّرَ عنده ويرسَخَ، فلا ينساه، وليتخلَّقَ به في الجودِ وغيرِه، ومن ثم جاءَ أنَّه: ((كان خُلقُه القرآنَ)) (فَلَرَسُولُ اللَّهِ): بفتح اللام الأولى وضم الثانية (صلعم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ): اسمُ مفعولٍ؛ أي: التي أرسلَها اللهُ تعالى بالبشرى بين يدَي رحمتِه، قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم:46] وخُصَّ التشبيهُ بها لعمومِ نفعِها، لكن شتَّانَ ما بين الأثرَين، فإنَّ الريحَ تُحيي الأرضَ بعد موتِها، ورسولُ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُحيي القلوبَ حياةً دائمةً في الدارَين.
          تنبيه: قال التُّورِبِشتيُّ: كان رسولُ الله صلعم يسمحُ بالموجودِ؛ لكونِه كان مطبُوعاً على الجودِ، مستَغنياً عن الفَانياتِ بالباقياتِ الصَّالحاتِ، إذا بدا له عرَضٌ من أعراضِ الدنيا لم يُعِرْه مؤخَّرَ عينَيْه وإن عزَّ وكثُرَ، ببذلِ المعروفِ قبل أن يُسألَ، وكان إذا أحسنَ عاد، وإذا وجدَ جادَ، وإذا لم يجِدْ وعدَ ولم يُخلفِ الميعادَ، وكان يظهرُ منه آثارُ ذلك في رمضانَ أكثرَ ما يظهرُ منه في غيرِه، حين يلقاه جبريلُ أمينُ الوحيِ، ويتابعُ أمدادَ الكرامةِ عليه، فيجدُ في مقامِ البسطِ حلاوةَ الوَجدِ، فيُنعمُ على عبادِ الله مما أنعمَ اللهُ تعالى عليه، ويُحسنُ إليهم كما أحسنَ اللهُ إليه، وذلك بتعليمِ جاهلِهم وإطعامِ جائعِهم إلى غيرِ ذلك مما لا يُحدُّ ولا يُعدُّ شكراً لله تعالى على ما آتاه، جزاه اللهُ أفضلَ ما جزى / نبيًّا عن أمةِ لا إلهَ إلا الله.