الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث كعب: كان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر

          3556- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ): تصغير: بكرٍ، ونسبَه لجدِّه، وإلا فاسمُ أبيه: عبدُ اللهِ، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): أي: ابنُ سعدٍ (عَنْ عُقَيْلٍ): مصغر: عقلٍ؛ أي: ابنِ خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): أي: الزُّهريِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ): بتكبير: ((عبدِ)) فيهما (ابْنِ كَعْبٍ): هو: أبو الخطَّابِ، أي: السُّلمي المدنيُّ التابعيُّ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ): أي: والدَ عبدِ الرحمنِ (ابْنَ كَعْبٍ): أي: التابعيَّ (قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ): أي: الخزرجيَّ الصحابيَّ والدَ عبدِ الله، ففيه من لطائفِ الإسنادِ روايةُ ثلاثةٍ من التابعين، أوَّلُهم الزُّهريُّ، وفيه روايةُ الشخصِ عن أبيه في موضعَينِ، لا عن جدِّه كما زعم العينيُّ، إلا أن يريدَ بالواسطةِ، فتأمل.
          (يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ): أي: عن غزوتِها، وهي آخرُ غزواتِه صلعم، ولم يقَعْ فيها قتالٌ / .
          (قَالَ): أي: كعبٌ (فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم): أي: حين قبِلَ اللهُ توبتي كصاحبيَّ، وجوابُ: ((لمَّا)) محذوفٌ يقدرُ نحوَ: قال لي: أبشِّرُك، كما يأتي في غزوةِ تبوكَ، أو يقدَّرُ بنحوِ: سُرَّ، كما يشيرُ إليه قولُه: (وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ): والجملةُ الكبرى: حاليةٌ، لفرحِه بقَبولِ اللهِ توبتَنا.
          (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم إِذَا سُرَّ): بضمِّ السِّين المهملةِ وتشديد الرَّاء (اسْتَنَارَ): أي: أضاءَ ولمعَ (وَجْهُهُ): أي: جبينُه، لقولِه: (حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ): ويحتملُ أنَّه أعمُّ، وأنَّ المرادَ بـ((قطعةُ قمرٍ)) القمرُ نفسُه، وإلى الوجهِ الأولِ يشيرُ قولُ السراجِ البُلقينيِّ: وجهُ العدولِ عن التشبيهِ بالقمرِ أنَّ فيه قطعةً يظهرُ فيها سوادٌ، وهو المسمَّى بالكلَفِ، فلو شبِّهَ الوجهُ الشريفُ بالقمرِ لدخلَتْ هذه القطعةُ في المشبَّهِ به، مع أنَّ الغرضَ التشبيهُ على أكملِ الوجوهِ، فلذا قال: ((كأنَّه قطعةُ قمرٍ)) يريدُ: القطعةَ السَّاطعةَ الإشراقِ، الخاليةَ من شوائبِ النقصِ والكدَرِ، انتهى.
          ووقعَ في حديثِ جُبيرِ بنِ مطعِمٍ عند الطبرانيِّ: ((التفتَ إلينا النبيُّ صلعم بوجهِهِ مثلَ شُقةِ القمرِ))، فهذا صفةٌ عند الالتفاتِ، وأخرج الطبرانيُّ حديثَ كعبٍ من طُرقٍ في بعضِها: ((كأنَّه دارةُ قمرٍ)).
          (وَكُنَّا): أي: معشرَ أصحابِه (نَعْرِفُ ذَلِكَ): أي: المذكورَ من استنارةِ وجهِهِ الشَّريفِ (مِنْهُ): أي: من رسولِ الله صلعم.
          وحديثُ الباب أوردَه المصنفُ هنا مختصَرا جدًّا، وأخرجه في الوصايا والجهادِ ووفودِ الأنصارِ ومواضعَ من التفسيرِ والأحكامِ والمغازي مطوَّلاً ومختصَراً، ومسلمٌ في التوبةِ والطلاقِ، والنسائيُّ.