الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: فممن كان إلا من مضر؟!من بني النضر

          3491- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا قَيْسُ) بفتحِ الفوقيَّة وسكونِ التَّحتيَّة (ابْنُ حَفْصٍ) أي: البصريُّ، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) أي: ابنُ زيادٍ، قال: (حَدَّثَنَا كُلَيْبُ) تصغيرُ: كَلبٍ، ابنُ وائلٍ _بالهمزِ_، وفي ((اليونينيَّةِ)): بتركِهِ، قال في ((الفتح)): هذا هو المحفوظُ، ورواه عفَّانُ عن عبدِ الواحدِ، فقالَ: ((عن عاصمِ بنِ كُليبٍ))، أخرجه الإسماعيليُّ، وهو خطأٌ من عفَّانَ، وكُليبٌ تابعيٌّ وسَطٌ كوفيٌّ، أصلُه من المدينةِ، وهو ثِقةٌ عند الجميعِ، إلَّا أنَّ أبا زُرعةَ ضعَّفَه بغيرِ قادحٍ، وليس له في ((البخاريِّ)) سوى هذا الحديثِ.
          (قَالَ: حَدَّثَتْنِي) بالإفراد وتاء التأنيث (رَبِيبَةُ) بفتحِ الرَّاء وكسر الموحدة الأولى؛ أي: بنتُ زوجةِ (النَّبِيِّ صلعم زَيْنَبُ) بالرفع، بدلٌ أو عطفُ بيانٍ من: ((رَبيبةُ)) (ابْنَةُ) ولأبي ذرٍّ: <بنتُ> (أَبِي سَلَمَةَ) بفتحات، وأمُّها: أمُّ سلَمةَ، زوجِ النَّبيِّ صلعم (قَالَ) أي: كُليبٌ (قُلْتُ لَهَا) أي: لربيبةِ النَّبيِّ صلعم (أَرَأَيْتِ) بكسرِ الفوقيَّة (النَّبِيَّ صلعم) / أي: أخبريني عنه (أَكَانَ) بهمزةِ الاستفهامِ الحقيقيِّ (مِنْ مُضَرَ) بضمِّ الميمِ وفتحِ الضَّاد المعجمةِ، غيرُ مصروفٍ.
          (قَالَتْ) أي: زينبُ (مِمَّنْ كَانَ) الاستفهامُ إنكاريٌّ، أي: ما كان (إِلاَّ مِنْ مُضَرَ) وقال في ((الفتح)): وفي روايةِ الكُشميهنيِّ: <فمِمَّن كانَ> بزيادةِ فاءٍ في الجوابِ، ومُضَرُ هو: ابنُ نِزارِ بنِ معَدِّ بنِ عدنانَ (مِنْ بَنِي النَّضْرِ) بفتحِ النون وسكونِ الضَّاد المعجمةِ؛ يعني: كان النَّبيُّ عليه السلام من بني النَّضْرِ، واسمُه: قيسٌ، ولقِّبَ بالنَّضرِ لوضاءَتِه وإشراقِ وجهِه (ابْنِ كِنَانَةَ) بكسرِ الكاف وتخفيفِ النونين بينهما ألف وآخره تاء التأنيث.
          تنبيه: قال الكرمانيُّ وتبِعُوه: ((إلا من مُضرَ)) استِثناءٌ منقطعٌ؛ أي: لكن كان من مُضرَ، أو الاستثناءُ من محذوفٍ؛ أي: لم يكُنْ إلَّا من مُضرَ، أو الهمزةُ محذوفةٌ من: ((كان))، و((ممن)) كلمةٌ مستقِلَّةٌ، أو الاستفهامُ للإنكارِ، ومُضرُ يقالُ له: مُضرُ الحمراءِ، ولأخيهِ: ربيعةُ الفَرسِ، والنَّضْرُ بنُ كِنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضرَ، وهذا بيانٌ له؛ لأنَّ مضرَ قبائلُ، وهذا بطنٌ منه، انتهى، فتأمَّلْه.
          يعني: النَّضرُ بطنٌ منه؛ أي: من مُضرَ، فافهم.
          وقال في ((الفتح)): روى أحمدُ وابنُ سعدٍ من حديثِ الأشعثِ بنِ قيسٍ الكِنديِّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ إنَّا نزعُمُ أنَّكم منَّا _يعني: من اليمن_، فقال: ((نحن بنو النَّضْرِ بنِ كِنانةَ))، وروى ابنُ سعدٍ من حديثِ عمرِو بنِ العاصي بإسنادٍ فيه ضَعفٌ مرفوعاً: ((أنا محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ))، وانتسَبَ حتى بلغَ النضْرَ بنَ كِنانةَ، وقال: ((فمَن قالَ غيرَ ذلك فقد كذَبَ))، انتهى.
          وإلى النَّضْرِ تنتهِي أنسابُ قريشٍ، وإلى كِنانةَ تنتهي أنسابُ أهلِ الحجازِ، والنَّسَبُ من النَّبيِّ صلعم إلى عدنانَ متفَقٌ عليه، ومن عدنانَ إلى إسماعيلَ مختلَفٌ فيه، وروى الطبرانيُّ بإسنادٍ جيدٍ عن عائشةَ قالت: استقامَ نسَبُ الناسِ _أي: العربِ_ إلى معَدِّ بنِ عدنانَ.
          وقال ابنُ سعدٍ في ((طبقاتِهِ)): حدثنا هشامُ بنُ الكلبيِّ، قال: علَّمَني أبي وأنا غلامٌ نسَبَ النَّبيِّ صلعم، فقال: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ _وهو: شَيبةُ الحمْدِ_ ابنِ هاشمٍ، واسمُه: عَمرُو بنُ عبدِ مَنافٍ، واسمُه: المُغيرةُ بنُ قصيٍّ، واسمُه: زيدُ بنُ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهرٍ، وأنَّهُ جِماعُ قريشٍ، وما كان فوق فِهرٍ فليس بقُرشيٍّ، بل هو كِنانيٌّ، ابنِ مالكِ بنِ النَّضْرِ، واسمُه: قيسُ بنُ كِنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدرِكةَ، واسمُه: عمرُو بنُ إلياسَ بنِ مُضرَ، وهو _بضم الميم وفتح المعجمة_،سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه كان مولَعاً بشُربِ اللَّبنِ الماضِرِ، وهو الحامضُ، قال: وفيه نظرٌ؛ لأنَّه يستَدعي أنَّه كان له اسمٌ غيرَه قبل أن يتَّصِفَ بهذه الصفةِ، نعم، يمكِنُ أن يكونَ هذا اشتِقاقُه، ولا يلزَمُ أن يكونَ متَّصِفاً به حالةَ التسميةِ، انتهى مفرَّقاً مع تقديمٍ وتأخيرٍ في بعضِه.
          وقيل: سُمِّيَ مُضرَ لبياضِه، والعربُ تسمِّي الأبيضَ أحمرَ، فلذلك يُقالُ له: مُضرُ الحمراءِ، وهو أوَّلُ مَن سَنَّ للعربِ الحِداءَ للإبلِ، وسببُه أنَّه سقطَ يوماً عن بعيرِه، فوثبَتْ يدُه، فجعلَ يقولُ: وايَدياه! فأعنقَتْ له الإبلُ لحُسنِ صوتِه، وأمُّه سَودةُ _بتاء تأنيث آخره_، وقيل: خُبيبةُ _بخاء معجمة أوله مصغراً_ بنتُ عكٍّ، وكان على دينِ إسماعيلَ عليه السلام، وذكرَ ابنُ حبيبٍ في ((تاريخِه)) عن ابنِ عباسٍ أنَّ أدَدَ والدَ عدنانَ، وولدُه عدنانُ، وولدُ ولدِه: معَدٌّ وربيعةُ ومُضرُ وقيسُ غَيلانَ وتميمٌ وأسدٌ وضبةُ، ماتوا كلُّهم على الإسلامِ على ملَّةِ إبراهيمَ عليه السلامُ، فلا تذكُرُوهم إلا بما يُذكرُ به المسلمون، وعن سعيدِ بنِ المسيَّبِ أنَّ رسولَ الله صلعم قال: ((لا تسُبُّوا مضرَ، فإنَّه كان مسلِماً على ملَّةِ / إبراهيمَ عليه السلام)) وروى الزُّبيرُ بنُ بكَّارٍ عن ابنِ عباسٍ أيضاً رفعَه: ((لا تسُبُّوا مُضرَ ولا ربيعةَ، فإنَّهما كانا مسلِمَين)).
          وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قال: ((إذا اختلَفَ الناسُ فالحقُّ مع مضرَ)) ورويَ أنَّه عليه السلامُ قال: ((إنَّ اللهَ اختارَ هذا الحيَّ من مضرَ)).