الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: نهى رسول الله عن الدباء والحنتم والمقير والمزفت

          3492- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) أي: ابنُ إسماعيلَ التَّبوذَكيُّ، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) أي: ابنُ زيادٍ، قال: (حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ) بالتَّصغير؛ أي: ابنُ وائلٍ، قال: (حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلعم) وقولُه: (وَأَظُنُّهَا) أي: الربيبةَ (زَيْنَبَ) مفعولٌ ثانٍ لـ((أظنُّها)) من كلامِ موسى شيخِ المصنِّفِ؛ قالَه في ((الفتح)) قال: كأنَّه لأنَّ قيسُ بنُ حفصٍ في الروايةِ التي قبلها جزَمَ بأنَّها زينبُ، وشيخُهما واحدٌ، لكن أخرجَه الإسماعيليُّ من روايةِ حَيَّانَ بنِ هلالٍ عن عبدِ الواحدِ، وقال: لا أعلمُها إلا زينبَ، قال: فكأنَّ الشكَّ فيه من شيخِهم عبدِ الواحدِ، فكان يجزِمُ تارةً، ويشُكُّ فيها أخرى.
          (قَالَتْ) أي: زينبُ (نَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنِ الدُّبَّاءِ) بضمِّ الدالِ المهملةِ وتشديد الموحَّدة والمدِّ، واحدُها: دُبَّاءةٌ _بالتاء_؛ أي: عن الانتباذِ فيها، وهي: القَرْعُ (وَالحَنْتَمِ) بفتحِ الحاءِ المهملة والمثنَّاة الفوقيَّة بينهما نونٌ ساكنةٌ وآخره ميم، وهي: جِرارٌ خُضرٌ غالباً مدهُونةٌ كانت تُجلَبُ فيها الخمرُ إلى المدينةِ، واحدُها: حَنتَمةٌ _بالتاء_.
          (وَالْمُقَيَّرِ) بفتحِ التحتيَّة المشدَّدة، وهو: المطليُّ بالقارِ؛ أي: الزِّفتِ (وَالْمُزَفَّتِ) بضمِّ الميمِ وفتح الزاي والفاء المشدَّدة؛ أي: المطليِّ بالزِّفتِ، فهو مكرَّرٌ مع ما قبلَه، ولهذا قال أبو ذرٍّ: <الصَّوابُ: والنَّقِيرُ> يعني: _بالنون فالقاف المكسورة_، وهو: خشَبةٌ تُنقرُ فيُنبذُ فيها، فيشتدُّ نبيذُها، وسبقَ الحديثُ في أولِ الإيمانِ مع الكلامِ عليه مبسوطاً، قال في ((الفتح)): أوردَ المصنِّفُ هذا الحديثَ هنا على هذه الصُّورةِ لكَونِه سمِعَ كذلك.
          (وَقُلْتُ لَهَا) أي: لزينبَ، ربيبةِ النَّبيِّ صلعم (أَخْبِرِينِي) أمرٌ بقطعِ الهمزةِ، مبنيٌّ على حذفِ نونِ الرفعِ (النَّبِيُّ) مبتدأٌ (صلعم) وقولُه: (مِمَّنْ كَانَ) خبرُ المبتدأِ، وقولُه: (مِنْ مُضَرَ كَانَ) استفهامٌ ثانٍ أخصُّ من الأولِ، لكن أداتُه مقدَّرةٌ (قَالَتْ) أي: ربيبةُ النَّبيِّ صلعم (مِمَّنْ كَانَ) وفي بعضِ الأصولِ: <فممَّن كان> بزيادة فاء كما مرَّ (إِلاَّ مِنْ مُضَرَ) تقدم الكلامُ عليه قريباً، وقولُه: (كَانَ) أي: النبيُّ (مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) بيانٌ لِما قبله، وأنَّ النَّضْرَ بطنٌ من مُضرَ كما مرَّ، وصدَّرَ المصنفُ الحديثَ بقولِه: ((نهى النبيُّ...)) إلخ، لكونِه سمِعَه كذلك، وهذا هو المرفوعُ منه، فلم يرَ حذفَه على أنَّه لم يطَّرِدْ له في الحديثِ عادةٌ، بل تارةً يأتي به على صورتِه كما هنا، وتارةً يقتصِرُ على موضِعِ حاجتِه منه، نبَّهَ عليه في ((الفتح)).