الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}

          ♫
          ░26▒بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
          (╖): سقطت البسملة لأبي ذرٍ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى): أي: في سورة البقرة ({يَعْرِفُونَهُ}): ضميره المنصوب للنَّبي صلعم والمرفوع عائد إلى {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة:121] والجملة خبر {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} الموصول وصلته؛ أي: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونَ محمداً صلعم معرفةً ظاهرةً.
          ({كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}): أي: كمعرفتهِم لأبنائهِم فلا يلتبسُ عليهم معرفته، كما لا يلتبس عليهم معرفة أبنائهم، فـ{ما} مصدرية و{كَمَا} منصوب على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ، وجاز الإضمار قبل تقدُّم المرجع؛ لأنَّ الكلام يدل عليه، ومثلُه فيه تفخيمٌ وإشعارٌ بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام.
          قال العينيُّ: والعرب كانت تضربُ المثل في صحَّة الشيء بهذا الكلام، قال القرطبيُّ: ويروى أن عمرَ ☺ قال لعبد الله بن سلام: أتعرفُ محمداً كما تعرفُ ابنك؟ قال: نعم وأكثر، نزل الأمينُ من السماء بنعتهِ فعرفته، وإنني لا أدري ما كان من أمِّه، وقيل: يعرفونَ محمداً كما يعرفُون أبناءهُم من بين أبناء الناس / لا يشكُّ فيه أحد ولا يتمَارى في معرفةِ ابنه إذا رآهُ من بين أبناء النَّاس كلهم، ثم أخبر الله تعالى أنهم مع التَّحقيق والإيقانِ العلمِي ليكتمونَ الحقَّ.
          بقوله: ({وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ}): يعني: محمَّداً ({وَهُمْ يَعْلَمُونَ}): والجملتان حاليَّتان مترادِفَتان، أو الثانية متداخلة، وسقطتا لأبي ذرٍّ، والمعنى: إنهم ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النَّبي صلعم ((وهم يعلمون)) أي: والحال أنهم يعلمون الحقَّ، وهذا ظاهر في أن كفرهِم كان عناداً، ووجه دخول هذا في باب علامات النُّبوة من جهة أنه أشارَ في الحديث إلى حكم التَّوراة، وهو أمي لم يقرأ التَّوراة قبل ذلك، فكان الأمرُ كما أشارَ إليه.