الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: صلى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن

          3542- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): بكسرِ الصَّاد المهملةِ، وهو: الضحَّاكُ بنُ مخلَدٍ النبيلُ (عَنْ عُمَرَ): بضمِّ العين (ابْنِ سَعِيدِ): كأميرٍ (ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ): بالحاء والسِّين المهملتين مصغراً؛ أي: النوفَليُّ القرشيُّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): بالتصغيرِ، واسمُه: عبدُ الله (عَنْ عُقْبَةَ): بضمِّ العينِ المهملةِ وسكون القافِ فموحدة (ابْنِ الحَارِثِ): بالحاءِ المهملةِ؛ أي: ابنِ عامرٍ القرشيِّ، وللإسماعيليِّ: ((أخبرني)) فيه وفي سابقِهِ.
          (قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ): أي: الصدِّيقُ (☺ العَصْرَ): أي: صلاتَها (ثُمَّ خَرَج يَمْشِي): زادَ الإسماعيليُّ: ((بعدَ وفاةِ النبيِّ صلعم بليالٍ، وعليٌّ يمشِي إلى جانبِهِ)) (فَرَأَى): أي: أبو بكرٍ (الحَسَنَ): بفتحتين، أي: ابنَ عليٍّ ☻ (يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ): أي الصِّغارِ، وكان عمرُه إذ ذاك سبعَ سنين، ولعبُه محمُولٌ على ما يليقُ به (فَحَمَلَهُ): أي: فجعلَ أبو بكرٍ الحسنَ (عَلَى عَاتِقِهِ): هو معروفٌ (وَقَالَ: بِأَبِي): أي: أفديه بأبي، على عادةِ العربِ، ولا ينبغِي حملُه على القسَمِ، كما قال الكرمانيُّ، وفي حاشيةِ ((اليونينيَّةِ)) وفرعِها: <بأبي بأبي> مرقومٌ على ذلك علامةُ أبي ذَرٍّ، ورقمَ اثنَين بالهنديِّ (شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ): خبرٌ لهو محذوفةٍ، و((النبيِّ)) بتشديدِ الياء في ((اليونينيةِ))، وتخفيفِها في الفرعِ (لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ): بتشديدِ الياء وسكونها على ما مَرَّ، وقال في روايةِ الإسماعيليِّ: ((وارتجَزَ، فقال))، فذكرَه.
          قال في ((الفتح)): وفي تسميةِ هذا رَجَزاً نظرٌ؛ لأنَّه ليسَ بموزونٍ، وكأنَّه أطلقَ على السجَعِ رَجَزاً، أو وقعَ من بعضِ الرواةِ تغييرٌ، ولعل الروايةَ كانت: وآبائي وآبائي، كما دلَّتْ عليه روايةُ الإسماعيليِّ، فيكونُ من مجزوءِ الرجَزِ، لكن قولُه: ((شَبيهٌ بالنبيِّ)) يحتاجُ إلى تقديرِ نحوِ: شخصٌ، أو أنت، وأمَّا الثالثُ فموزونٌ.
          وجملةُ: (وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ): / حاليةٌ، وللإسماعيليِّ: ((وعليٌّ يتبسَّمُ))، وهي أخصُّ ممَّا هنا، وضحِكُه لرِضَاه بهذا وتصديقِهِ له فيه، وقد وافقَ أبو جُحَيفةَ أبا بكرٍ على أنَّ الحسَنَ كان يُشبِهُ النبيَّ عليه السَّلامُ، لكن سيأتي في المناقبِ أنَّ الحسينَ بنَ عليٍّ كان أشبهَ بالنبيِّ عليه السَّلام من غيرِه، وجُمِعَ بين ذلك بأنَّ الحسنَ أشبَهُ بالنبيِّ في أعلاه، والحسينَ في أسفَلِه.
          تنبيه: ذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ أنَّ الذين كانوا يشبِهون النبيَّ صلعم خمسةٌ: جعفرُ بنُ أبي طالبٍ، والحسنُ بنُ عليٍ، وقُثَمُ بنُ العباسِ، وأبو سفيانَ بنُ الحارثِ، والسائبُ بنُ عبيدِ اللهِ، ونظمَ ذلك بعضُهم فقال:
بخمسةٍ شُبِّهَ المختَارُ مِن مُضَرٍ                     يا حُسنَ ما خوَّلوا مِن شِبهِهِ الحسَنَ
بجعْفَرٍ وابنِ عمِّ المصْطَفَى قُثَمٍ                     وسَائبٍ وأَبِي سُفْيانَ والحسَنَ
          وزادَ في ((عيونِ الأثرِ)): عبدَ اللهِ بنَ عامرِ بنِ كعبِ بنِ ربيعةَ، رآه رسولُ الله صغيراً، فقال: ((هذا يشبِهُنا))، وذكرَ في ((المرآة)) منهم: مسلمُ بنُ معتِّبٍ، وأنسُ بنُ ربيعةَ بنِ مالكٍ البياضِيُّ البصريُّ، من بني سامةَ بنِ لؤيٍّ، وكان أشبَهَ الناسِ برسولِ اللهِ صلعم في خَلقِه وخُلقِه، وكان أنسُ بنُ مالكٍ إذا رآه عانقَه وبكى، وقال: مَن أراد أن ينظُرَ إلى رسولِ اللهِ صلعم فلينظُرْ إلى هذا، وبلغَ معاويةَ بنَ أبي سفيانَ خبرُه، فاستقدَمَه، فلمَّا دخلَ عليه قامَ واعتنقَه، وقبَّلَ ما بينَ عينَيه، وأقطعَه مالاً وأرضاً، فردَّ المالَ وقَبِلَ الأرضَ.
          ومطابقةُ الحديثِ للترجمةِ في قولِه: ((شبيهٌ بالنبيِّ))، وفيه فضيلةُ أبي بكرٍ والحسَنِ، ومحبَّتُه لآلِ النبيِّ، وتركُ الصبيِّ المميِّزِ يلعبُ، وأخرجَه المصنِّفُ أيضاً في فضْلِ الحسَنِ، وأخرجَه النَّسائيُّ في المناقبِ.