الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما ينهى من دعوة الجاهلية

          ░8▒ (بَابُ مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ): بإضافةِ: ((بابُ)) إلى: ((ما)) الموصولةِ أو النكِرةِ الموصوفةِ، وجملةُ: ((يُنهى)) المبنيُّ فعلُها للمجهولِ صِلةٌ أو صِفةٌ، والعائدُ محذوفٌ نحوُ: عنه، و((من...)) إلى آخرِه: بيانٌ لـ((ما))، وفي بعضِ الأصولِ: <من دعوةِ الجاهليةِ> بالتاء، وجوَّزَ العينيُّ أن تكونَ: ((ما)) مصدريَّةً، وفيه أنَّه لا يظهرُ لمَنْ تـأمَّلَ إلا بجَعْلِ: ((مِنْ)) بمعنى: عن، فتأمل. وقد توجدُ في بعضِ النُّسخِ: <عن> بدلَ: ((من)).
          و((دعوى الجاهليةِ)) الاستِغاثةُ عند إرادةِ الحربِ، كانوا يقولون: يا لَفلانٍ، فيجتمِعُون فينصُرون قائلَ ذلك ولو كان ظالماً، فجاءَ الإسلامُ بالنهيِ عن إعانةِ الظالمِ على ظُلمِه، فإنَّ ذلك من دعوى الجاهليَّةِ، بل ينصُرُه بمنعِه من ظُلمِه، كما ثبتَ في الأحَاديثِ.
          قال في ((الفتح)): وكأنَّ المصنِّفَ أشارَ إلى ما وردَ في بعضِ طُرقِ حديثِ جابرٍ ممَّا أخرجَه ابنُ راهوَيهِ والمَحامِليُّ في ((الفوائدِ الأصبهانيةِ)) عن جابرٍ قال: ((اقتَتلَ غلامٌ من المهاجرِين وغلامٌ من الأنصَارِ...)) فذكرَ الحديثَ، وفيه: ((فقال رسولُ الله: أدعوَى الجاهليَّةِ؟ قالوا: لا، قال: لا بأسَ، ولْينصُرِ الرجلُ أخاه ظالماً أو مظلوماً، فإنْ كان ظالِماً فلْينهَهُ، فإنَّه له نصرٌ))، انتهى.