الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية فأراهم انشقاق القمر

          ░27▒ (بَابُ سُؤَالِ المُشْرِكِينَ): أي: مشركي أهلِ مكة، وسؤال من إضافةِ المصدر إلى فاعلهِ المشركين، وقوله: (أَنْ يُرِيَهُمُ): أي: بأن يري (النَّبِيُّ صلعم) أي: المشركين (آيَةً): فـ((النبي)) فاعل ((يريهم)) و((آية)) مفعوله / الثاني وهي آية بمد الهمزة العلامة الدَّالة على صدقهِ في دعواه النُّبوة؛ لكونها معجزة خارقةٌ للعادة مقرونةٌ بالتَّحدي (فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ): من إضافة المصدرِ لفاعله (القَمَرِ): وهو المرادُ من قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1].
          قال الخطَّابي: انشقاقُ القمرِ آيةٌ عظيمةٌ لا يُعادلها شيءٌ من آيات الأنبياء عليهم السلام؛ لأنه ظهر في ملكوتِ السماء والخطب فيها أعظمُ والبرهان به أظهرُ؛ لأنه خارج عن جملة طباعِ ما في هذا العالم من العناصر.
          وقال في ((المواهب)): لم ينشقَّ لغير نبينا صلعم وقد أنكرهُ جماعة من المبتدعةِ كجمهور الفلاسفة مستدلين بأمور مردودةٍ، كما يأتي الإشارة لشيءٍ من ذلك منهم الوليد بنُ المغيرة وأبو جهل والعاصِي بن وائل والأسود بن المطلب ونظراؤهم قالوا للنَّبي صلعم إن كنتَ صادقاً فشقَّ لنا القمر فرقتين فسأل ربَّه فانشقَّ.
          وقال في ((نظم السيرة)) للعراقي:
وانشقَّ مرَّتينِ بالإجْماَعِ
          قال الحافظ ابنُ حجر: يتعلَّق قوله: بالإجماعِ بانشقِ لا بمرَّتين فإني لا أعلم من جزمَ من علماءِ الحديث بتعددِ الانشقاق، وقال: ولعلَّ قائل مرَّتين أرادَ فرقتين جمعاً بين الروايات.