الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان النبي مربوعًا بعيد ما بين المنكبين

          3551- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ): بضمِّ العين؛ أي: ابنِ الحارثِ بنِ سَخْبَرةَ الحوضيُّ البصريُّ، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): أي: ابنُ الحجَّاجِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): هو: عمرٌو المارُّ في السندِ قبله (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ): بكسر الزاي، وسقطَ: <ابنِ عازبٍ> لأبي ذَرٍّ (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم مَرْبُوعًا): أي: لكنه إلى الطولِ أقربُ (بَعِيدَ): بكسر العين، منصوبٌ على أنَّه خبرٌ بعد خبرٍ لـ((كان)) (مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ): أي: عريضَ أعلى الظَّهرِ، وعند ابنِ أبي سعدٍ عن أبي هريرةَ: ((رحْبَ الصدرِ)) (لَهُ شَعَرٌ): أي: في رأسِه (يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيهِ): بالتثنيةِ لأبي ذَرٍّ عن الكُشميهنِيِّ، وبالإفرادِ لغيرِه، وللإسماعيليِّ: ((تكادُ جُمَّتُه تصيبُ شحمةَ أُذنَيه)).
          (رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ): بالمد، والحُلَّةُ _بضمِّ الحاء المهملةِ وتشديد اللام_: إزارٌ ورداءٌ، ولا تكونُ حُلَّةً إلا من ثوبَين، أو ثوبٍ له بِطانةٌ، وليس المرادُ أنَّها كلَّها حمراءُ؛ لأنَّ الأحمرَ الصَّرفَ منهيٌّ عنه، بل المرادُ أنَّها منسوجةٌ بخيوطٍ حُمرٍ وسودٍ أو غيرِها كسَائرِ البرودِ اليمانيَّةِ (لَمْ أَرَ): مضارعٌ مجزومٌ بحذفِ الألفِ (شَيْئًا قَطُّ): أي: فيما مضَى (أَحْسَنَ مِنْهُ): لأنَّ الحُسْنَ الكاملَ مختصٌّ به، فهو الذي تمَّ معناه وصورتُه.
          (قَالَ): ولأبي ذَرٍّ: <وقال> (يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ): نسبَه لجدِّه لشهرتِه به، وإلا فأبوه إسحاقُ (عَنْ أَبِيهِ): ذِكرُ الأبِ مَجازٌ؛ لأنَّ يوسفَ إنما يروي عن جدِّه أبي إسحاقَ، لا عن أبيه إسحاقَ، وقيل: ضميرُ: ((أبيه)) يرجِعُ إلى ((إسحاقَ)) لا إلى ((يوسُفَ))، انتهى. وفيه أنَّ إسحاقَ لا ذِكرَ له هنا، فتأمل.
          (إِلَى مَنْكِبَيْهِ): أي: يبلُغُ شعرُه إلى منكِبَيه، تثنيةُ: مَنكِبٍ، وهو: مجتمَعُ رأسِ الكتِفِ والعضُدِ.
          تنبيه: طريقُ يوسُفَ هذه المعلَّقةُ تغايرُ الموصولَ قبلَها، وأُجيبَ بأنَّ المرادَ أنَّ معظمَ شعرِه كان عند شحمةِ أذُنِه، وما استَرسلَ منه متصلٌ إلى المنكِبِ، أو يحمَلُ على حالتَينِ، ووقعَ نظيرُ ذلك في حديثِ أنسٍ عند مسلمٍ، فعنده من روايةِ قتادةَ عن أنسٍ: ((أنَّ شعرَه كان بين أُذنَيه وعاتقهِ))، وفي حديثِ حُميدٍ عنه: ((إلى أنصافِ أذُنَيه))، ومثلُه عند الترمذيِّ عنه، وعند ابنِ سعدٍ عنه: ((لا يُجاوزُ شعرُه أذُنَيه)) وهو محمولٌ على ما تقدمَ، وروى أبو داودَ عن عائشةَ قالت: ((كان شعرُ رسولِ الله صلعم فوقَ / الوَفْرةِ، ودونَ الجُمَّةِ)).
          وروى الترمذيُّ من حديثِ هندِ بنِ أبي هالةَ في صفتِه: ((لا يجاوزُ شعرُه شحمةَ أُذنَيه إذا هو وَفْرةٌ))؛ أي: إذا جعلَه وَفْرةً، وهذا القيدُ يؤيدُ الجمعَ المتقدمَ، وربما جعلَه غدائرَ، فقد روى أبو داودَ والترمذيُّ بسندٍ رجالُه ثقاةٌ من حديثِ أمِّ هانئٍ قالت: ((رأيتُ رسولَ اللهِ صلعم وله أربعُ غدائرَ))، قاله في ((فتح الباري)).
          وحديثُ البابِ أخرجَه المصنفُ في اللباسِ أيضاً، ومسلمٌ في الفضائلِ، وأبو داودَ في اللباسِ، والترمذيُّ في الاستئذانِ والأدبِ، والنسائيُّ في الزينةِ.