الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: أكان وجه النبي مثل السيف؟قال: لا بل مثل القمر

          3552- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): هو: الفضلُ بنُ دُكينٍ، قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): بالزاي أوله مصغراً، هو: ابنُ معاويةَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): أي: عمرٍو السَّبيعيِّ (قَالَ: سُئِلَ): بالبناء للمفعول (البَرَاءُ): أي: ابنُ عازبٍ، ولعله المرادُ بـ((رجلٌ)) في روايةِ الإسماعيليِّ: ((قال له رجلٌ)) (كَانَ): وفي أكثرِ الأصولِ: <أكانَ> بهمزةِ الاستفهامِ (وَجْهُ النَّبِيِّ صلعم مِثْلَ السَّيْفِ): أي: في الطولِ أو اللمَعانِ، ولمَّا لم يكُنِ التشبيهُ بالسيفِ شامِلاً للاستِدارةِ والإشراقِ والمَلاحةِ الثابتةِ للوجهِ الشريفِ ردَّه بقولِه: (لاَ): أي: ليس مثلَ السيفِ كما ظننْتَ (بَلْ مِثْلُ القَمَرِ): برفعِ: ((مثلُ)) خبرٌ لمحذوفٍ؛ أي: هو مثلُ القمرِ إذا كان بدراً في الحُسنِ والاستدارةِ والإضاءةِ، ولمسلمٍ عن جابرِ بنِ سمُرةَ: ((أنَّ رجلاً قال له: أكانَ وجهُ رسولِ اللهِ مثلَ السيفِ؟ قال: لا، بل مثلُ الشمسِ والقمرِ))؛ أي: مثلُ الشمسِ في نهايةِ الإشراقِ والإضاءةِ، ومثلُ القمرِ في الحُسنِ والمَلاحةِ، لأنَّ العادةَ جرَتْ بالتشبيهِ في الشمسِ في الأولِ، وبالقمرِ في الثاني، وزاد جابرٌ: ((وكان _أي: وجهُه_ مستديراً))، تنبيهاً على أنَّه أراد التشبيهَ بالصفتَينِ معاً؛ الحُسنُ والاستِدارةُ.
          ولأحمدَ وابنِ سعدٍ وابنِ حبانَ عن أبي هريرةَ: ((ما رأيتُ شيئاً أحسنَ من رسولِ اللهِ صلعم، كأنَّ الشمسَ تجري في جبهتِه)) فشبَّهَ _كما قال الطِّيبيُّ_ جريَانَ الشَّمسِ في فلَكِها بجرَيانِ الحُسنِ في وجهِه عليه السَّلامُ، ففيه عكسُ التشبيهِ للمبالَغةِ، قال: ويحتملُ أن يكونَ من بابِ تناهِي التشبيهِ جُعلَ وجهُه مقرًّا ومكانًا للشمسِ.
          وروى يعقوبُ بنُ سفيان في ((تاريخِه)) عن أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، عن امرأةٍ من همْدانَ قالت: ((حجَجتُ مع رسولِ اللهِ صلعم، فقلتُ لها: شبِّهيه، قالت: كالقمرِ ليلةَ البدرِ، لم أرَ قبلَه ولا بعده مثلَه))، وفي حديثِ الرُّبيِّعِ بنتِ معوِّذٍ: ((لو رأيتَه رأيتَ الشمسَ طالعةً))، أخرجه الطبرانيُّ والدارِميُّ، وفي حديثِ يزيدَ الرَّقاشيِّ عن ابنِ عباسٍ: ((جميلُ دوائرِ الوجهِ، قد ملأتْ لِحيتُه من هذه إلى هذه حتى كادَتْ تملأُ نحرَه))، وروى الذُّهليُّ في ((الزُّهرياتِ)) من حديثِ أبي هريرةَ في صفتِه صلعم: ((كان أسِيلَ الخدَّينِ، شديدَ سوادِ الشعرِ، أكحلَ العينَينِ، أهدبَ الأشفارِ...)) الحديثَ.
          وذكرَ أبو عُبيدٍ في ((الغريبِ)) من حديثِ عليٍّ: ((أنَّه عليه السلامُ كان في وجهِه تدويرٌ))، وقال: يريدُ أنَّه لم يكُنْ في غايةِ التدويرِ، بل كان فيه سهولةٌ، وهي أحلى عند العربِ.
          وحديثُ البابِ أخرجَه الترمذيُّ في المناقبِ.