الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف النبي

          3561- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ): أي: الواشِحيُّ، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): بتشديد الميم؛ أي: ابنُ زيدٍ / (عَنْ ثَابِتٍ): أي: البُنانيِّ (عَنْ أَنَسٍ): أي: ابنِ مالكٍ (☺ قَالَ: مَا مَسِسْتُ): بكسر السين المهملة الأولى وقد تفتح؛ أي: لمستُ (حَرِيراً وَلاَ دِيبَاجاً): بكسرِ الدالِ المهملةِ وقد تفتح، وقال أبو عبيدةَ: الفتح مولَّدٌ، وهو من عطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّه نوعٌ من الحريرِ.
          قال في ((المصباح)): الدِّيباجُ ثوبٌ سَداه ولُحمَتُه إبريسَمٌ، ويقال: هو معرَّبٌ، ثم كثرَ حتى اشتَقَّتْ العربُ منه، فقالوا: دبجَ الغيثُ الأرضَ دَبْجاً _من بابِ: ضربَ_؛ إذا سقَاها فأنبتَتْ أزهاراً مختلفةً؛ لأنَّه عندهم اسمٌ للمُنقَّشِ، ونقلَ الأزهريُّ أنَّ كسرَ الدالِ أصوبُ من الفتحِ، واختُلِفَ في الياءِ، فقيل: زائدةٌ، ووزنُه: فِيعالٌ، ولهذا يجمعُ بالياءِ، فيقالُ: ديابيجُ، وقيل: هي أصلٌ، والأصلُ: دبَّاجٌ _بالتضعيف_،فأُبدلَ من أحدِ المضعَّفَينِ حرفُ العلةِ، ولهذا يُردُّ في الجمعِ، فيقالُ: دبابيجُ _بباءٍ موحدة بعد الدال_، والدِّيباجتانِ: الخدَّانِ.
          (أَلْيَنَ): نعتُ ما قبله (مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ): وفي بعضِ النُّسخِ: <رسولِ الله> (صلعم): وللطبرانيِّ والبزارِ عن معاذٍ: ((أردفَنِي النبيُّ صلعم خلفَه في سفرٍ، فما مسَستُ شيئاً قطُّ ألينَ من جلدِ النبيِّ صلعم))، قيل: هذا يخالفُ ما في حديثِ أنسٍ الآتي في اللِّباسِ أنَّه: ((كان ضخمَ اليدَينِ))، وفي روايةٍ له: ((والقدمَين))، وفي روايةٍ له: ((شَثْنُ القدمَين والكفَّينِ))، ولِما في الترمذيِّ من حديثِ أبي هالةَ في صفتِه عليه السلامُ من أنَّه: ((كان شَثْنَ الكفينِ والقدمَينِ))؛ أي: غليظَهما في خشونةٍ، وجاء عندَ ابن أبي خَيثمةَ عن عائشةَ كذلك.
          والجمعُ بينهما _كما في ((الفتح))_ أنَّ المرادَ: اللِّينُ في الجلدُ، والغلَظُ في العظامِ، فيجتمعُ له عليه السلامُ نعومةُ البدنِ وقوتُه، أو يقالُ: الوصفُ باللِّينِ واللطافةِ حيثُ لا يعملُ بهما شيئاً، والوصفُ بالغِلَظِ والخشونةِ فهو بالنسبةِ إلى امتهانِهما بالعملِ؛ لأنَّه عليه السلامُ كان يتعاطى كثيراً من أمورِه بنفسِه.
          (وَلاَ شَمِمْتُ): بفتح الشين المعجمة وكسر الميم الأولى وقد تفتح (رِيحاً): أي: رائحةً (قَطُّ): أي: فيما مضى (أَوْ عَرْفًا): بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالفاء؛ أي: الرائحةَ الطيبةَ، فـ((أو)) للشكِّ من الراوي (أَطْيَبَ): نعتُ: ((ريحاً)) أو ((عَرْفاً)) (مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلعم): بخفضِ: ((ريحِ أو عَرْفِ)) من غيرِ تنوينٍ، كقول الشاعرِ:
بين ذراعَي وجبهةِ الأسدِ
          و((عَرْفِ)) بالفاء أيضاً، والعطفُ فيه كسَابقهِ، ووقعَ في بعضِ الرواياتِ: ((عرَقِ)) في الموضعَين _بفتح العين والراء_، فـ((أو)) عليه للتنويعِ لا للشَّكِّ.
          قال في ((الفتح)): والمعروفُ هو الأولُ، فقد تقدَّمَ في الصيامِ من طريقِ حُميدٍ عن أنسٍ: ((مِسكةً ولا عنبرةً أطيبَ رائحةً من ريحِ رسولِ اللهِ صلعم))، و((عنْبَرةً)) ضُبطَ بسكونِ النونِ وفتحِ الموحَّدةِ، وبكسرِ الموحَّدةِ من غيرِ نونٍ قبلها، وبمثناةٍ تحتيةٍ ساكنةٍ، والأولُ: معروفٌ، والثاني: طِيبٌ معمولٌ من أخلاطٍ يجمعُها الزَّعفرانُ، وقيل: هو الزَّعفَرانُ، ووقع عند البيهقيِّ عن أنسٍ أيضاً: ((ولا شَممتُ مِسكاً ولا عنبَراً))، بالجمعِ بين اللَّفظَينِ، ووقعَ في أولِ الحديثِ عند مسلمٍ عن أنسٍ: ((كان رسولُ اللهِ صلعم أزهرَ اللَّونِ، كأنَّ عرقَه اللؤلؤُ، إذا مشى يتكفَّأُ، وما مسِستُ...)) إلخ.
          وحديثُ البابِ من أفرادِ المصنفِ، نعم أخرجَه مسلمٌ بمعناه.