نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا تكحل قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها

          5338- 5339- (حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ) قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابن الحجَّاج، قال: (حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) الأنصاريُّ (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <بنت> (أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا: أَنَّ امْرَأَةً) عاتكة، كما مرَّ في الباب السَّابق (تُوُفِّي زَوْجُهَا) المغيرة (فَخَشُوا) بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين، وأصله: خشيوا فاعل، فصار بوزن فعوا؛ أي: خافوا (عَيْنَيْهَا) وفي رواية الكُشْمِيْهَني: <على عينيها> بالتَّثنية فيهما (فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلعم فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَقَالَ: لاَ تَكَحَّلْ) بفتح التاء والكاف والحاء المشدَّدة، أصله: لا تتكحَّل بتاءين فحُذِفَتْ إحداهما، وفي رواية المُسْتَملي: <لا تكْحُلُ> بسكون الكاف وضم الحاء واللام. وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَني: <لا تكْتحِل> بسكون الكاف وكسر الحاء، من باب الافتعال، وعند ابن منده: ((رمدت رمداً شديداً، وقد خشيت على بصرها)). وعند ابنِ حزمٍ بسند صحيحٍ من رواية القاسم بن أصبغ: ((إنِّي أخشى أن تنفقئ عينها، قال: لا، وإن انفقأت)).
          ولذا قال مالك في رواية عنه: نمنعُه مطلقاً، وعنه يجوز إذا خافت على عينيها بما لا طيب فيه، وبه قال الشَّافعيَّة، لكن مع التَّقييد باللَّيل، وأجابوا عن قصَّة هذه المرأة: باحتمال أنَّه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتَّضْمِيْدِ بالصَّبر ونحوه، وعند الطَّبراني: أنَّها تشتكي عينيها فوق ما يُظَنُّ، فقال صلعم : ((لا)).
          (قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ) في الجاهليَّة (تَمْكُثُ) إذا توفِّي زوجها (فِي شَرِّ أَحْلاَسِهَا) جمع: حِلْس، بكسر الحاء المهملة وسكون اللام، وهو الثَّوب أو الكساء الرَّقيق يكون تحت البَرْدَعة (أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا) شكٌّ من الرَّاوي، وذكر وصف ثيابها، أو مكانها (فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ) أي: سنة من وفاة زوجها (فَمَرَّ) عليها (كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ) لِتُرِي من حَضَرَها أنَّ مقامَها حولاً أهونُ عليها من بعرةٍ تَرْمي بها كلباً. وظاهرها: أنَّ رميها / البعرة متوقِّف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم لا.
          وهذا التَّفسير وقع هنا مرفوعاً كلَّه، بخلاف ما في الباب السَّابق، فلم تسنده زينب، وهو غير مقتضٍ للإدراج في رواية شُعبةَ؛ لأنَّ شُعبةَ من أحفظِ النَّاس، فلا يقضي على روايتهِ برواية غيره للاحتمال، كذا قال الحافظُ العسقلاني.
          (فَلاَ) أي: فلا تكتحل (حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وفي نسخة: <وعشر>، قال حميد بالسَّند السَّابق.
          (وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <بنت> (أُمِّ سَلَمَةَ) وفي رواية: <ابنة أبي سلمة> (تُحَدِّثُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) رملة بنت أبي سفيان زوجِ النَّبي صلعم (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ) بضم أوله وكسر الحاء المهملة، على ميِّتٍ (فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) بالنَّصب، والتَّقييد بالإسلام ولاحِقِه للمبالغة في الزَّجر، إذِ الإحدادُ من حقِّ الزَّوج، وهو ملتحق بالعدَّة في حفظ النَّسب، فتدخل الذَّمية بالمعنى، كما يدخل الكافر في النَّهي عن السُّوم على سوم أخيه، وفي دخول الذَّمية خلاف لأبي حنيفة ☼ حيثُ أخرجها من هذا الحكم بهذا القيد.
          وكذا قال القسطلاني: فيه مخالفة لقاعدته؛ لأنَّه لا يقول بالمفهوم، فليُتَأمَّل.
          ومطابقةُ الحديثِ للتَّرجمة ظاهرةٌ. وهذا الحديث هو الحديث المذكور في الباب السَّابق.