نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا طلاق قبل النكاح

          ░9▒ (باب: لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ) سقط من رواية أبي ذرٍّ: <لا طلاق قبل النِّكاح>، وثبت عنده: <باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}> فساق من الآية إلى قوله: <{مِنْ عِدَّةٍ}> وحذف الباقي، وقال: <الآية>. واقتصر النَّسفي على قوله: <باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:49] الآية>، وعليه أكثر النُّسَخِ، وفي بعضها: سيقت الآية بتمامها كما سيجيء.
          وقال الكرمانيُّ: مذهبُ الحنفية صحَّةُ الطَّلاق قبل النِّكاح، فأراد البُخاري الرَّدَ عليهم.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّه لم يقل الحنفية أنَّ الطَّلاق يقع قبل وجود النِّكاح، وليس هذا بمذهب لأحد، فالعجب من الكرمانيِّ ومن وافقه في كلامه هذا كيف يصدر منهم مثلُ هذا الكلام، ثمَّ يردُّون به عليهم من غير وجه، وإنَّما تشبثهم في هذا بمسألة التَّعليق، وهي ما إذا قال الرَّجلُ لأجنبيةٍ: إذا تزوَّجتك فأنت طالق فإذا تزوَّجها يَقَعُ الطَّلاقُ عند الحنفيةِ خِلافاً للشَّافِعيَّةِ، فإن إشلائهم على الحنفيَّة هاهنا، ويحتجُّون فيما ذهبوا إليه بِقَولِ ابن عبَّاس ☻ على ما سيجيءُ، وبما رواه أحمد وابن ماجه من قوله صلعم : ((لا نَذْرَ لابن آدم فيما لا يملكُ، ولا طلاقَ لابن آدم فيما لا يملك، ولا بيعَ فيما لا يملك)).
          والحنفيَّة يقولون: هذا تعليق بالشَّرط، وهو يمين فلا تتوقَّف صحَّته على وجود ملك المحل كاليمين بالله، وعند وجود الشَّرط يقع الطَّلاق، وهو طلاق بعد وجود النِّكاح، فكيف يقال: إنَّه طلاق قبل النِّكاح، والطَّلاق قبل النِّكاح، فيما إذا قال لأجنبية: أنت طالقٌ، فهذا كلام لغو، وفي مثل هذا يقال: لا طلاق قبل النِّكاح، والحديث المذكور لم يصح، / قاله أحمد، وقال أبو الفرج: روي بطريق مُجْتَنَبة بمرَّة، وقال ابنُ العربي: أخبارهم ليس لها أصل في الصِّحة، فلا نشتغلُ بها، ولئن صحَّ فهو محمول على التَّنجيز. وأمَّا مراد البُخاري فليس ما أراده الكرمانيُّ، فافهم.
          (وَقَوْلُ اللَّهِ ╡) وفي رواية: <تعالى> ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}) أي: تزوَّجتم، والنِّكاح: هو الوطء في الأصل، وتسمية العَقْد نكاحاً؛ لملابسته له من حيث إنَّه طريق له، كما أنَّ تسميةَ الخمر إثماً؛ لأنَّها سببه، ولم يَرِدْ لفظُ النِّكاح في القرآن إلَّا في معنى العقد؛ لأنَّه في معنى الوطء من باب التَّصريح به، ومن آداب القرآن الكناية عنه.
          ({ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب:49]) لا تمسكوهنَّ ضراراً. قال ابن التِّين: احتجاج البُخاري بهذه الآية على عدم الوقوع لا دَلالة فيه. وقال ابن المنيِّر: ليس فيها دليل؛ لأنَّها إخبار عن صورةٍ وَقَعَ فيها الطَّلاقُ بعد النِّكاح، ولا حصرَ هناك، وليس في السِّياق ما يقتضيه.
          وقال الحافظُ العسقلاني: احتجَّ بالآية قبل البُخاري ترجمان القرآن عبد الله بن عبَّاس ☻ ، ومراده هو قوله: ((جَعَلَ اللهُ الطَّلاقَ بعد النِّكاح)). وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ هذا القائلَ لعجزه عن الجواب عمَّا قاله ابن التِّين وابن المنيِّر نَبَضَ عِرْقُ العصبيَّة لمذهبه، وقال ذلك لترويج كلام البُخاري في التَّرجمة المذكورة، وسيأتي الجواب من غير ميل عن الحقِّ والصَّواب إن شاء الله تعالى.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : (جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ) هذا تعليق رواه ابنُ أبي شيبة عن عبد الله بن نمير، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عبَّاس ☻ بلفظ: ((لا طلاق إلَّا بعد نكاح، ولا عتقَ إلَّا بعد ملك)). انتهى. وهذا لا خلافَ فيه: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ الطَّلاقَ بعد النِّكاح، والحنفيَّة قائلون به، فلا يجوز للشَّافعيَّة أن يحتجُّوا به عليهم في مسألة التَّعليق؛ فإنَّ تعليق الطَّلاقِ غيرُ الطَّلاق؛ لأنَّه ليس بطلاقٍ / في الحال فلا يشترط لصحَّته قيام المحل.
          وحكى أبو بكر الرَّازي عن الزُّهري في قوله: ((لا طلاق إلَّا بعد نكاح)) هو الرَّجل يقال له: تزوَّج فلانة، فيقول: هي طالقٌ، فهذا ليس بشيءٍ، فأمَّا من قال: إن تزوَّجتْ فلانة فهي طالق؛ فإنَّما تطلق حين يتزوَّجها.
          وروى عبد الرَّزاق في «مصنَّفه» فقال: أخبرنا مَعمر، عن الزُّهري، أنَّه قال في رجل قال: كل امرأة أتزوَّجها فهي طالق، وكل أمة أشتريها فهي حرَّة، كما قال فقال مَعمر: أوليس قد جاء لا طلاق قبل النِّكاح، ولا عتق إلَّا بعد ملك، قال: إنَّما ذلك أن يقول الرَّجل: امرأةُ فلان طالقٌ، وعبدُ فلان حُرٌّ.
          واحتجَّ بعضُهم أيضاً: بما رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريقه عن سعيد بن جُبير: سُئل ابنُ عبَّاسٍ ☻ عن الرَّجل يقول: إن تزوَّجتُ فلانةً فهي طالقٌ، قال: ليس بشيءٍ إنَّما الطَّلاق لمن ملك، قالوا: فابن مسعود ☺ كان يقول: إذا وقَّت وقتاً؛ فهو كما قال، قال: رحمَ اللهُ أبا عبد الرَّحمن لو كان كما قال؛ لقال الله تعالى: إذا طلَّقتم المؤمنات ثمَّ نكحتموهنَّ. انتهى.
          قالوا: الآية دلَّتْ على أنَّه إذا وُجِدَ النِّكاح، ثمَّ طلَّق قبل المَسيس فلا عِدَّة، ولم تتعرَّض الآية لصورة النِّزاع أصلاً. وقال الطَّحاوي: قال صلعم لعمر ☺: ((حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ)) فدلَّ على جواز المعقود فيما لم يملكه وقت العقد، بل فيما يستأنف.
          وأجمعوا على أنَّه لو أوصى بثلث ماله أنَّه يعتبر وقت الموت لا وقت الوصيَّة، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:75]، فهذا نظير: إن تزوَّجتُ فلانةً فهي طالق.
          وفي «الاستذكار»: لم يُخْتَلَفْ عن مالكٍ أنَّه إن عمَّم لم يلزمه، وإن سمَّى امرأة، أو أرضاً، أو قبيلة؛ لزمهُ، وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح والنَّخعي والشَّعبي والأوزاعيُّ واللَّيث، ورُوي عن الثَّوري. وقال ابنُ أبي شيبة: حدَّثنا عبد الرَّحمن بن نمير وأبو أسامة، عن يحيى بن سعيد، قال: كان القاسم وسالم وعُمر بن عبد العزيز / يَرَوْنَ الطَّلاقَ جائزاً عليه إذا عين.
          وقال: حدَّثنا أبو أُسامة، عن عُمر بن حمزة: أنَّه سأل القاسم بن محمد، وسالماً، وأبا بكر بن عبد الرَّحمن وأبا بكر بن محمد بن عُمر بن حزم، وعبد الله بن عبد الرَّحمن عن رجل قال: يومَ أتزوَّجُ فلانةً فهي طالقٌ البتة، فقالوا كلهم: لا يتزوَّجها.
          وقال أيضاً: حدَّثنا حفص بن غِياث، عن عبيد الله بن عمر قال: سألتُ القاسم عن رجل قال: يومَ أتزوجُ فلانةً فهي طالقٌ، قال: هي طالقٌ.
          (وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ) ☺؛ أي: يروى في أنْ لا طلاقَ قبل النِّكاح عن أربعة وعشرين ذهبوا إلى أنَّ لا طلاق قبل النِّكاح، وهؤلاء كلُّهم تابعيون إلَّا أوَّلهم، وهو علي بن أبي طالب ☺، وإلَّا ابن هرم فإنَّه من أتباع التَّابعين، وذكر الرِّواية عنهم بصيغة التَّمريض، ولم يذكر خبراً مرفوعاً رمزاً منه إلى أنَّه لو ثبت عنده في ذلك خبر مرفوعٌ صحيحٌ لذكره.
          فأمَّا أثر عليٍّ ☺؛ فرواه عبد الرَّزَّاق من طريق الحسن البصري، قال: «سأل رجلٌ علياً قال: قلت: إن تزوَّجتُ فلانةً فهي طالقٌ، فقال علي ☺: ليس بشيءٍ»، ورجاله ثقاتٌ، إلَّا أنَّ الحسنَ لم يسمعْ عن علي ☺.
          وأخرجه البيهقيُّ من وجه آخر عن الحسن، عن علي ☺، ومن طريق النَّزال بن سَبرة، عن علي ☺. وقد روي مرفوعاً أيضاً أخرجه البيهقيُّ وأبو داود من طريق سعيد بن عبد الرَّحمن بن رُقَيْش: أنَّه سَمِعَ خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول: قال عليُّ بن أبي طالب ☺: حفظت من رسول الله صلعم : ((لا طلاقَ إلَّا من بعد نِكاح، ولا يُتم بعد احتلام)) الحديث لفظ البيهقي، ورواية أبي داود مختصرة.
          وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن علي ☺ مطولاً، وأخرجه ابن ماجه مختصراً، وفي سنده ضَعْفٌ.
          (وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) فقد رواه عبد الرَّزَّاق، عن ابن جُريج: أخبرني عبد الكريم الجزري: أنَّه سأل سعيد بن المسيَّب وسعيدَ بن جبير / وعطاءَ بنَ أبي رباح عن طلاقِ الرَّجل ما لم ينكح، فكُلُّهم قال: لا طلاقَ قبل أن ينكح إن سمَّاها، وإن لم يسمِّها، وإسناده صحيحٌ.
          وروى سعيدُ بن منصور من طريق داودَ بنِ أبي هند عن سعيدِ بن المسيَّب قال: لا طلاقَ قبل نِكاح. وسندُه صحيحٌ أيضاً، ويأتي له طريق أخرى مع مجاهد. وقال سعيدُ بن منصور: حدثنا هُشَيم: حدثنا محمد بن خالد، قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيَّب قال: ما تقول في رجل قال: إن تزوَّجتُ فلانةً فهي طالقٌ، فقال له سعيد: كم أَصْدَقَها؟ قال له الرَّجل: لم يتزوَّجها بعد فكيف يصدقها؟ فقال له سعيد: فكيف يطلِّق ممَّن لم يتزوَّج.
          (وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) أي: ابن العوَّام، فقال سعيد بن منصور: حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة: أنَّ أباه كان يقول: كلُّ طلاق، أو عتق قبل الملك فهو باطلٌ، وهذا سند صحيحٌ (وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي: ابن الحارث بن هشام (وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بن مسعود، فروى يعقوب بن سفيان، والبيهقيُّ من طريقه من رواية يزيد بن الهاد، عن المنذر بن علي بن الحكم: أنَّ ابنَ أخته خطب ابنة عمِّه، فتشاجروا في بعض الأمر، فقال الفتى: هي طالقٌ إن نكحتُها حتى آكل الغَضِيْضَ، والغَضِيْضُ: طَلْع النَّخل الذَّكر، ثمَّ ندموا على ما كان من الأمر، فقال المنذرُ: أنا آتيكم بالبيان من ذلك، فانطلقَ إلى سعيد بن المسيَّب، فذكر له، فقال ابن المسيَّب: ليس عليه شيء، طَلَّق ما لا يَمْلِك، قال: ثمَّ إنِّي سألتُ عروة بن الزُّبير، فقال مثل ذلك، ثمَّ سألت أبا سلمة بن عبد الرَّحمن، فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا بكر بن عبد الرَّحمن الحارث بن هشام فقال مثل ذلك، ثمَّ سألتُ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك، ثمَّ سألتُ عُمر بن عبد العزيز فقال: هل سألت أحداً؟ قلتُ: نعم، فسمَّاهم، قال: ثمَّ رجعتُ إلى القوم فأخبرتهم.
          وقد روي عن عروة مرفوعاً، فذكر التِّرمذي في «العلل» أنَّه سألَ البُخاري: أيُّ حديث في الباب أصح؟ فقال: حديثُ عَمرو / بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، وحديث هشام بن سعد، عن الزُّهري، عن عروة مرسلاً، قال: فإنَّ حمَّاد بن خالد رواه عن هشام بن سعد، فوصله.
          وقال الحافظُ العسقلاني: أخرجه ابنُ أبي شيبة عن حمَّاد بن خالد كذلك، وخالفهم عليُّ بن الحسين بن واقد، فرواه عن هشام بن سعد، عن الزُّهري، عن عُروة، عن المِسْوُر بن مَخرمة مرفوعاً، أخرجه ابن ماجه وابن خُزيمة في «صحيحه». لكن هشام بن سعد أخرجا له في المتابعات ففيه ضَعْفٌ.
          وقد ذكر ابنُ عدي هذا الحديث في مناكيره، وله طريق أخرى عن عروة، عن عائشة ♦، أخرجه الدَّارقطني من طريق معمر بن بكار السَّعدي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزُّهري، فذكره بلفظ: أنَّ النَّبي صلعم بعث أبا سفيان على نجران، فذكر قصة، وفي آخره: وكان فيما عهد إلى أبي سفيان أوصاه بتقوى الله، وقال: ((لا يطلقن الرَّجل ما لم ينكح، ولا يعتق ما لا يملكُ، ولا نذر في معصية الله))، ومَعمر ليس بالحافظ.
          وأخرجه الدَّارقطني أيضاً من رواية الوليد بن سلمة الأزدي، عن يونس، عن الزُّهري، والوليد واهٍ، ولمَّا أَوْرَدَه التَّرمذيُّ في «الجامع» حديثَ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ قال: ليس بصحيحٍ.
          (وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) قال الحافظُ العسقلاني: لم أقفِ الآن على الإسناد إليه بذلك (وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ) المشهورِ بزين العابدين، ذكره في «الغيلانيات» من طريق شعبة، عن الحكم، هو: ابنُ عتيبة سمعت علي بن الحسين بن علي ♥ يقول: لا طلاقَ إلَّا بعد نكاح، وكذا أخرجه ابنُ أبي شيبة، عن غُنْدر، عن شعبة، وكذا في «فوائد» عبد الله بن أيُّوب المخرمي من طريق أبي إسحاق السَّبيعي، عن علي بن الحسين مثله، وكلا السَّندين صحيح، وله طريق أخرى عنه رواه سعيد بن منصور، عن حمَّاد بن شعيب، عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء رجلٌ إلى علي بن الحسين، فقال: إني قلتُ: يومَ أتزوَّجُ فلانةً فهي طالق، فقرأ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] قال علي بن الحسين: / لا أرى الطَّلاق إلَّا بعد نكاح.
          (وَشُرَيْحٍ) القاضي، رواه سعيدُ بن منصور وابنُ أبي شيبة من طريق سعيد بن جُبير عنه قال: لا طلاق قبل نكاح، وسنده صحيحٌ (وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) رواه أبو بكر ابنُ أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جُبير في الرَّجل يقول: يومَ أتزوَّجُ فلانةً فهي طالقٌ قال: ليس بشيءٍ إنَّما الطَّلاق بعد النِّكاح.
          وقد روي مرفوعاً أخرجه الدَّارقطني من طريق أبي هاشم الرماني، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر ☻ عن النَّبي صلعم : أنَّه سُئل عن رَجُلٍ قال: يومَ أتزوَّجُ فلانةً فهي طالق، فقال: طلَّق ما لا يملك، وفي سنده أبو خالد، وهو واهٍ.
          (وَالْقَاسِمِ) هو: ابنُ محمد بن أبي بكر الصِّديق ☺ (وَسَالِمٍ) هو: ابنُ عبد الله بن عمر ☻ ، رواه أبو عبيد في كتاب «النِّكاح» له عن هُشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال: كان القاسمُ بن محمد، وسالمُ بن عبد الله بن عمر وعمرُ بن عبد العزيز لا يرون الطَّلاق قبل النِّكاح، وهذا إسناد صحيحٌ أيضاً.
          وأخرجه ابنُ أبي شيبة من وَجْهٍ آخر عن القاسم، وجاء عن سالم والقاسم وقوعَه في المُعَيَّنَةِ، قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفصُ، هو: ابنُ غياث، عن حنظلة قال: سُئل القاسم وسالم عن رَجُلٍ قال: يوم أتزوَّجُ فلانةً فهي طالقٌ، قالا: هي كما قال.
          وعن أبي أُسامة عن عُمر بن حمزة: أنَّه سأل سالماً والقاسمَ وأبا بكر بن عبد الرَّحمن وأبا بكر بن محمد بن عَمرو بن حزم وعبدَ الله بنَ عبد الرَّحمن عن رجل قال: يومَ أتزوَّجُ فلانةً فهي طالقٌ البتة، فقال كلُّهم: لا يتزوَّجها. وهو محمولٌ على الكراهة لا على التَّحريم؛ لما أخرجه إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» من طريق جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد: أنَّ القاسمَ سُئل عن ذلك، فكرهه، فهذا طريق التَّوفيق بين ما نقل عنه من ذلك. وقد سقط هاهنا في رواية أبي ذرٍّ قوله: <والقاسم وسالم>.
          (وَطَاوُسٍ) أخرجه عبد الرَّزاق، عن مَعمر قال: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطَّلاق قبل النِّكاح، / وكان قد ابتُلِيَ بذلك، فكتب إلى عامله باليمن، فدعا ابنَ طاوس وإسماعيلَ بنَ شروس وسماك بنَ الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه، وإسماعيل بن شروس عن عطاء، وسماك بن الفضل عن وهب بن منبه أنَّهم قالوا: لا طلاقَ قبل النِّكاح.
          قال سماك من عنده: إنَّما النِّكاح عقدة تعقد، والطَّلاق يحلها، فكيف يَحِلُّ عقدةً قبل أن تُعْقَدَ، وقد روى مرفوعاً: قال عبد الرَّزاق: عن الثَّوري، عن ابن المنكدر، عمَّن سمع طاوساً يحدِّث عن النَّبي صلعم أنَّه قال: ((لا طلاق لمن لم ينكح)). وكذا أخرجه ابنُ أبي شيبة عن الثَّوري، وهذا مرسل، وفيه راو لم يسم.
          (وَالْحَسَنِ) قال عبد الرَّزاق عن مَعمر عن الحسن وقتادة قالا: لا طلاق قبل النِّكاح، ولا عتق قبل الملك. وعن هشام عن الحَسَن مثله. وأخرج سعيد بنُ منصور، عن هُشيم، عن منصور، ويونس، عن الحسن أنَّه كان يقول: لا طلاق إلَّا بعد ملك. وقال ابنُ أبي شيبة: حدثنا خلف بن خليفة: سألت منصوراً عمَّن قال: يوم أتزوَّجها فهي طالق فقال: كان الحسن لا يراه طلاقاً.
          (وَعِكْرِمَةَ) رواه أبو بكر الأثرم، عن الفضل بن دُكين، عن سويد بن نجيح قال: سألت عكرمة مولى ابن عبَّاس رصي الله عنهما قلت: رجل قالوا له: تزوَّج فلانة، قال: هي يوم أتزوَّجها طالق كذا وكذا، قال: إنَّما الطَّلاقُ بعدَ النِّكاح.
          (وَعَطَاءٍ) تقدَّم هو مع طاوس، ويأتي له طريق مع مجاهد. وجاء من طريقه مرفوعاً، أخرجه الطَّبراني في «الأوسط» عن موسى بن هارون: حدثنا محمد بن المنهال: حدثنا أبو بكر الحنفي، عن ابن أبي ذئب، عن عطاء، عن جابر ☺: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((لا طلاقَ إلَّا بعد نكاح، ولا عتق إلَّا بعد ملك)). قال الطَّبراني: لم يروه عن ابن أبي ذئب إلَّا أبو بكر الحنفي ووكيع، ولا رواه عن أبي بكر الحنفي إلَّا محمد بن المنهال، وقد أطالَ في ذلك الحافظُ العسقلاني.
          (وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ) هو البجليُّ الكوفي، من كبار التَّابعين، وجزم الكِرمانيُّ في «شرحه» بأنَّه ابن سعد / بن أبي وقاص، وفيه نَظَر، كذا قال الحافظ العسقلاني. وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ صاحبَ «رجال الصَّحيحين» لم يذكر عامر بن سعد البَجَلي هذا، فالظَّاهر أنَّه عامر بن سعد بن أبي وقاص، فإنَّه أيضاً من كبار التَّابعين، قال العيني: لم أقفْ على أثره.
          (وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ) هو: أبو الشَّعثاء البصري، أخرجه سعيد بن منصور من طريقه، وفي سنده رجل لم يُسَمَّ (وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ) أي: ابن مطعم (وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ) أي: القرظي. أخرجه ابنُ أبي شيبة، عن جعفر بن عون، عن أسامة بن زيد عنهما قالا: لا طلاق إلَّا بعد نكاح (وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) أخرجه سعيد بن منصور، عن عتَّاب بن بشير، عن خصيف، عن سليمان بن يسار: أنَّه حلف في امرأة إنْ أتزوَّجْها فهي طالق فتزوَّجَها، فأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز، وهو أميرٌ على المدينة، فأرسل إليه: بلغني أنَّك حلفت في كذا، قال: نعم، قال: أفلا تخلي سبيلها؟ قال: لا، فتركه عمرُ ولم يفرِّقْ بينهما.
          (وَمُجَاهِدٍ) رواه ابنُ أبي شيبة من طريق الحسن بن الرِّماح سألت سعيد بن المسيَّب ومجاهداً وعطاءَ عن رجل قال: يوم أتزوَّج فلانة فهي طالقٌ، وكلُّهم قال: ليس بشيءٍ، زاد سعيد: أيكون سيل قبل مطر. وقد رُوِيَ عن مجاهد خلافُه، أخرجه أبو عُبيد من طريق خصيف: أنَّ أمير مكَّة قال لامرأتهُ: كلُّ امرأة أتزوَّجها فهي طالقٌ، قال خصيف: فذكرت ذلك لمجاهد، وقلت له: إنَّ سعيد بن جُبير قال: ليس بشيءٍ طلَّق ما لم يملك، قال: فكره ذلك مجاهد وعابه.
          (وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو: ابنُ عبد الله بن مسعود ☺، رواه ابنُ أبي شيبة، عن وكيع، عن معرف بن واصل قال: سألتُ القاسم بن عبد الرَّحمن فقال: لا طلاق إلَّا بعد نِكاح (وَعَمْرِو بْنِ هَرِم) هو: الأزدي، من أتباع التَّابعين. قال الحافظُ العسقلاني: لم أقف على مقالته موصولةً إلَّا أنَّ في كلام بعض الشُّراح: أنَّ أبا عبيد أخرجه من طريقه.
          (وَالشَّعْبِيِّ) عامر بن شراحيل (أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ) رواه وكيع في «مصنفه»، عن إسماعيل بن أبي خالد، / عن الشَّعبي قال: إن قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، فليس بشيءٍ، فإذا وقت لزمه. وكذلك أخرجه عبد الرَّزَّاق، عن الثَّوري، عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: إذا عمَّم فليس بشيءٍ.
          وممَّن رأى وقوعه في المُعَيَّنِة دون التَّعميم غيرُ من تقدَّم: إبراهيم النَّخعي، أخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن منصور عنه قال: إذا وَقَّت وَقَعَ. وبإسناده: إذا قال: كل فليس بشيءٍ. ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم. وأخرجه من طريق الأسود بن يزيد، عن ابن مسعود ☺، وإلى ذلك أشار ابن عبَّاس ☻ ، كما تقدَّم، فابن مسعود ☺ أقدم من أفتى بالوقوع، وتبعَه من أخذ بمذهبه كالنَّخعي، ثمَّ حماد.
          وأمَّا ما أخرجه ابنُ أبي شيبة، عن القاسم، أنَّه قال: هي طالقٌ، واحتجَّ بأنَّ عُمر ☺ سئل عمَّن قال: يوم أتزوَّج فهي علي كظهر أمِّي، قال: لا يتزوَّجها حتى يُكَفِّر، فلا يصح عنه؛ فإنَّه من رواية عبد الله بن عمر العُمري، عن القاسم، والعُمريُّ ضعيفٌ، والقاسم لم يدركْ عمرَ ☺.
          هذا، وكأنَّ البُخاريَّ ☼ تبع أحمدَ ☼ في تكثير النَّقل عن التَّابعين؛ فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في «العِلل» أنَّ سُفيان بن وكيع حدَّثه قال: أحفظ عن أحمد منذ أربعين سنة أنَّه سئل عن الطَّلاق قبل النِّكاح فقال: يروى عن النَّبي صلعم ، وعن علي وابن عبَّاس وعلي بن الحسين، وابن المسيَّب، ونيف وعشرين من التَّابعين: أنَّهم لم يروا به بأساً. قال عبد الله: فسألت أبي عن ذلك فقال: أنا قلته.
          ثمَّ إنَّ البُخاريَّ قد ذكر هؤلاء المذكورين بصيغة التَّمريض، ونسب جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقاً مع أنَّ في بعض من ذكر عنه تفصيلاً، وفي سند البعض كلاماً؛ فأثر علي بن أبي طالب ☺ رواه عبد الرَّزاق من طريق الحسن البصري، والحسن لم يسمع من علي. وأمَّا في رواية ابن أبي شيبة عنه من طريق عبد الملك بن ميسرة، ضعَّفه يحيى بن معين. /
          فإن قلت: أخرج ابن ماجه عن جويبر، عن الضَّحَّاك، عن النَّزَّال بن سبرة، عن عليِّ بن أبي طالب ☺، عن النَّبي صلعم قال: ((لا طلاق قبل النِّكاح)). فالجواب: أنَّ جُويبرَ بن سعيد البَلخي ضعيفٌ. فإن قيل: روى التَّرمذي: حدَّثنا أحمد بن منيع: حدثنا هشيم: حدثنا عامر الأحول، عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلعم : ((لا نذرَ لابن آدم فيما لا يملكُ)). وقال: حديث عبد الله بن عَمرو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهو أحسن شيءٍ رُوِيَ في هذا الباب. فالجواب: أنَّه رواه أبو داود وابن ماجه أيضاً، وفي رواية عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه كلامٌ كثيرٌ، فمن النَّاس من ردَّه؛ فعن أحمد: عَمرُو بنُ شعيب له أشياء مناكير، وإنَّما يُكْتَبُ حديثُه يعتبر به، فأمَّا أن يكون حجَّة؛ فلا.
          وقال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود: عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: لا، ولا نصف حجَّة، وقال البُخاري: رأيتُ أحمدَ بنَ حنبل وعليَّ بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامَّةَ أصحابنا يحتجُّون بحديث عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه ما تركه أحد من المسلمين. قال البُخاري: مَنِ النَّاس بعدهم؟
          وأجاب الحنفيَّة بعد التَّسليم بصحَّته: إنَّا أيضاً قائلون بأنَّه لا طلاق للرَّجل فيما لا يملك، ووقوع الطَّلاق فيما قلنا بعد أن يَمْلِكَ بعد التَّزويج المعلَّق، فيكون الطَّلاقُ بعد النِّكاح، كما مرَّ في أوَّل الباب.
          ولمَّا أخرج التِّرمذي هذا الحديث قال: وفي الباب عن عليٍّ ومعاذ بن جبل وجابرٍ وابن عبَّاس وعائشة ♥ ، وقال العينيُّ: وحديث علي ☺ قد ذكر، وحديث معاذ بن جبل ☺ رواه الدَّارقطني من رواية عبد المجيد، وهو: ابنُ رواد، عن ابن جُريج، عن عَمرِو بن شعيب، عن طاوس، عن معاذ بن جبل ☺: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((لا طلاقَ قبل نكاح، ولا نذرَ فيما لا يملك))، وطاوس عن معاذ / منقطعٌ.
          ورواه أيضاً من رواية يزيد بن عِياض، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسَّيب، عن معاذ بن جبل ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((لا طلاقَ إلَّا بعد نِكاح، وإن سُمِّيت المرأة بعينها)). قال الدَّارقطني: يزيد بن عِياض ضعيفٌ، وقال الشَّيخ زين الدِّين العراقي: ابن المسيَّب عن معاذ مرسل، ورواه ابن عُدي في «الكامل» من رواية عَمرو بن عَمرو العسقلاني، عن أبي فاطمة النَّخعي، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل ☺ مرفوعاً: ((لا طلاقَ إلَّا بعد ملك)). وعَمرو بن عَمرو يروي الموضوعات، وأبو فاطمة لا يُعرف.
          وأمَّا حديثُ جابرٍ ☺ فرواه الحاكم في «المستدرك» من رواية ابنِ أبي ذئب، عن عطاء، عن جابر ☺ قال: سمعت النَّبي صلعم يقول: ((لا طلاقَ لمن لم يملك، ولا عتق لمن لم يملك)). وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرِّجاه. وقال الشَّيخ زين الدِّين العراقي: واختلف فيه على ابنِ أبي ذئب؛ فرواه أبو مجلز الحنفي هكذا، وخالفه وكيع فرواه عنه عن محمد بن المنكدر، عن جابر ☺ يرفعه.
          وأمَّا حديث ابن عبَّاس ☻ فأخرجه الدَّارقطني من رواية سليمان بن أبي سليمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن طاوس، عن ابن عبَّاس ☻ : قال صلعم : ((لا نذرَ إلَّا فيما أطيع الله فيه، ولا يمين في قطيعةِ رحم، ولا عتاقَ، ولا طلاقَ فيما لا يملك)). ذكره عبدُ الحقِّ في «أحكامه» من جهة الدَّارقطني، وقال: إسناده ضعيفٌ. وقال ابن القطَّان: وعلَّته سليمان بن أبي سليمان؛ فإنَّه شيخٌ ضعيفُ الحديث، قاله أبو حاتم الرَّازي. وقال صاحب «التنقيح»: هذا حديثٌ لا يصح؛ فإنَّ سليمانَ بن أبي سليمان هو سليمان بن داود اليماني متَّفقٌ على ضَعْفِه. وقال ابنُ معين: ليس بشيءٍ، وقال البُخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامَّة من يرويه لا يتابع عليه.
          وأمَّا حديث عائشة ♦ فرواه الدَّارقطني / من رواية الوليد بن سلمة الأزدي، عن يونس، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة ♦ قالت: بعثَ النَّبيُّ صلعم أبا سُفيان بن حرب فكان فيما عهد إليه: ((أن لا يطلِّق الرَّجل ما لا يتزوَّج، ولا يعتق مالا يملك)). وفي «التَّنقيح»: الوليد بن سلمة، قال الأزدي وابن حبَّان: كان يَضَعُ الحديثَ. وهذه المسألة من الخلافيات الشَّهيرة. وللعلماء فيها مذاهب: الوقوع مطلقاً، وعدم الوقوع مطلقاً، والتَّفصيل بين ما إذا عمَّم أو عين، فمذهب الشَّافعيِّ عدم الوقوع.
          نعم، حكى ابن الرِّفعة في «كفايته» عن أمالي أبي الفرج وكتاب «الحناطي» أنَّ منهم من أثبت وقوع الطَّلاق. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: الوقوع مطلقاً؛ لأنَّ التَّعليق بالشَّرط يمين فلا تتوقف صحَّتُه على وُجِودِ ملك المحل كاليمين بالله تعالى.
          وهذا، لأنَّ اليمينَ تصرُّفٌ من الحالف في ذمَّة نفسه؛ لأنَّه يوجبُ البر على نفسه، والمحلوف به ليس بطلاق؛ لأنَّه لا يكون طلاقاً إلَّا بعد الوصول إلى المحل، وعند ذلك الملك واجب، ومذهب جمهور المالكية التَّفصيل؛ فإن سمَّى امرأة، أو طائفة، أو قبيلة، أو مكاناً، أو زماناً يمكن أن يعيش إليه لزمه، واحترزوا بذلك عمَّا لو قال: إلى مائتي سنة أنَّه لا يلزمه شيء.
          وقال الشَّيخ خليل في «توضيحه» ولو قال لأجنبية: إن دخلتِ الدَّار فأنت طالق، فلا شيءَ عليه؛ لعدم عِصْمَتها.
          ولو قال: إن تزوَّجتُك فأنت طالق فالمشهور: اعتباره، وروى ابن وهب عن مالك أنَّه لا يَلْزَمه.