نجاح القاري لصحيح البخاري

باب خيار الأمة تحت العبد

          ░15▒ (باب خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ) أي: باب جواز الخيار للأمة التي كانت تحت العبد إذا أعتقت. هذه التَّرجمة تدلُّ على أنَّ البُخاري ☼ ترجَّح عنده قول من قال: كان زوجُ بريرة عبداً.
          واعترض عليه: بأنَّه ليس في حديث الباب أنَّ زوجها كان عبداً.
          وأجيب: بأنَّ عادته أنَّه يشير إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يورده، وقصَّة بريرة لم تتعدَّد، فترجح عنده أنَّه كان عبداً. وقد أخرج الجماعةُ إلَّا مسلماً عن عكرمة، عن ابن عبَّاس ☻ : أنَّ زوجَ بريرة كان عبداً أسود، فالبُخاري أخرجه في هذا الباب، وأخرجه أبو داود في الطَّلاق عن قتادة، وأخرجه التِّرمذي في الرَّضاع عن أيُّوب، وقتادة عن عكرمة، وأخرجه النَّسائي في القضاء عن خالد الحذَّاء به. وأخرجه ابن ماجه في الطَّلاق عن خالد الحذَّاء عن عكرمة به، وأخرجه الدَّارقطني، وزاد فيه: ((وأَمَرَها أن تَعْتدَّ عدَّة الحرَّة)) هكذا عزاه عبد الحقِّ في «أحكامه» للدَّارقطني. قال العيني: ولم أجده، فلْيُرَاجَع.
          لكنَّه في ابن ماجه من حديث عائشة ♦: و«أمرها أن تعتدَّ ثلاث حيض»، وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيَّب والحسن البصري وابن أبي ليلى والأوزاعي والزُّهري واللَّيث وسعد ومالك والشَّافعي وأحمد وإسحاق. /
          واستدلُّوا أيضاً: بما أخرجه مسلم وأبو داود عن هشام بن عروة، عن عائشة ♦ محيلاً على ما قبله في قصَّة بريرة، وزاد: ((وقال: وكان زوجها عبداً، فخيَّرها رسولُ الله صلعم ، فاختارتْ نفسها، ولو كان حراً لم يخيِّرها)). انتهى.
          قيل: هذا الأخير من كلام عروة قطعاً لوجهين: أحدهما: أنَّه قال: وفاعله مذكر. والثَّاني: أنَّ النَّسائي صرَّح فيه بقوله: قال عُروة: ولو كان حرًّا ما خيرها. وكذلك رواه ابن ماجه في «صحيحه» بلفظ النَّسائي.
          وقال الطَّحاوي: يحتمل أن يكون هذا من كلام عائشة ♦، ويحتمل أن يكون من كلام عروة فبالاحتمال لا يثبتُ الاحتجاج القطعي، وَلَئِنْ سلَّمنا أنَّه من كلام عائشة ♦، ولكن قد تعارضتْ روايتاها، فسقطَ الاحتجاج بها، فإن قيل: رواية الأسود قد عارضها من هو ألصق بعائشة، وأقعد بها من الأسود، وهما القاسم بن محمد وعروة بن الزُّبير فرويا عنها: أنَّه كان عبداً، والأسود كوفي سمع منها من وراء الحجاب، وعروة والقاسم كانا يسمعان بغير حجابٍ؛ لأنَّها خالة عروة، وعمَّة القاسم فهما أقعد بها من الأسود. فالجواب: أنَّه لا كلام في صحَّة الطَّريقين، والأقعديَّة لا تنافي التَّعارض، فافهم.
          واستدلَّت طائفة بأنَّه كان حُرًّا بحديثٍ أخرجه التِّرمذي من حديث إبراهيم بن الأسود، عن عائشة ♦ قالت: «كان زوج بريرة حُرًّا حين أعتقت، وأنَّها خيرت»، وكذلك في رواية النَّسائي وابن ماجه: «كان حُرًّا»، وذهب طائفة أنه كان حراً وهم: الشَّعبي والنَّخعي والثَّوري ومحمد بن سيرين وطاوس ومُجاهد وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وآخرون، ولكنَّهم قالوا: الأمة إذا أُعْتِقَتْ فلها الخيار في نفسها سواء كان زوجها حرًّا أو عبداً، وإليه ذهب الظَّاهرية، وقالت الطَّائفة الأولى: إن كان زوجها عبداً فلها الخيار، وإن كان حرًّا فلا خيار لها.