نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الشقاق

          ░13▒ (باب الشِّقَاقِ) بكسر الشين المعجمة (وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ) فاعل يشير محذوف، وهو إمَّا الحكم من أحد الزَّوجين، أو الولي لواحد منهما، أو الحاكم إذا ترافعا إليه، والقرينةُ الحالية والمقالية تدلُّ على ذلك / (عِنْدَ الضَّرُورَةِ) في ذلك، وفي رواية النَّسفي: <للضَّرر>؛ أي: لأجل الضَّرر الحاصل لأحد الزَّوجين أولهما (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفاً على قوله: الشِّقاق، وفي بعض النُّسخ: <وقول الله تعالى>، وعند أبي ذرٍّ والنَّسفي: <وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء:35] الآية>.
          ({وَإِنْ خِفْتُمْ}) الخطاب للحكَّام ({شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}) بإضافة {شِقَاقَ} إلى قوله: {بَيْنِهِمَا} على طريق الاتِّساع، وأصله: شقاقاً بينهما، كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ:33].
          والشِّقاق، بالكسر: العداوة والخلاف؛ لأنَّ كلاًّ منهما يفعل ما يشقُّ على الآخر، أو يميل إلى شقٍّ وناحيةٍ غير شق الآخر، والضَّمير للزَّوجين، ولم يجر لهما ذكر لذكر ما يدلُّ عليهما، وهو الرِّجال والنِّساء.
          ({فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ}) أي: رجلاً يَصْلُحُ للحكومة والإصلاح بينهما ({وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {خَبِيراً}) يريد قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
          قال ابن بطَّال: أجمع العُلماء على أنَّ المراد بقوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً} [النساء:35] الحكمان، وأنَّ الحكمين يكون أحدُهما من جهة الرَّجل، والآخرُ من جهة المرأة إلَّا أن لا يُوجد من أهلهما من يصلحُ لذلك. انتهى.
          وإنَّما كان بَعْثُ الحكمين من أهلهما؛ لأنَّ الأقاربَ أعرف ببواطن الأحوال وأطلبُ للصَّلاح، ونفوس الزَّوجين أسكنُ إليهما، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحبِّ والبعضِ، وإرادة الصُّحبة والفرقة، ويخلو كلُّ حَكَمٍ منهما بصاحِبِه ويَفْهَمُ مراده، ولا يُخْفِي حَكَمٌ عن حَكَمٍ شيئاً إذا اجتمعا، وهما وكيلان لهما لا حاكمان عليهما؛ لأنَّ الحال قد يُؤدي إلى الفراق، والبضعُ: حقُّ الزَّوجين، والمال: حقُّ الزَّوجة، وهما رشيدان، فلا يُوَلَّى عليهما في حقِّهما، فيوكل هو حَكَمَه في الطَّلاق، أو الخلع، وتوكَّل هي حَكَمَها في بذلِ العِوَض، وقبول الطَّلاق به.
          وقال ابن بطَّال: إنَّهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما، وإن اتَّفقا نفذ في الجمع بينهما من غير توكيل، واختلفوا فيما إذا اتَّفقا على الفرقة؛ فقال مالك والأوزاعي وإسحاق: ينفذُ من غير توكيل، ولا إذن من الزَّوجين. /
          وقال الكوفيون والشَّافعي وأحمد: يحتاجان إلى الإذن؛ لأنَّ الطَّلاقَ بيد الزَّوج فإنْ أَذِنَ في ذلك، وإلَّا فالحاكمُ طَلَّقَ عليه.
          وذكر ابنُ أبي شيبة عن عليٍّ ☺ قال: الحَكَمَان بهما يَجْمَعُ الله، وبهما يُفَرِّقُ. وقال الشَّعبي: ما قضى الحَكَمَان جائز، وقال أبو سلمة: الحَكَمَان إن شاءا جَمَعا، وإن شاءا فرَّقا، وقال مجاهد: نحوه، وعن الحسن: إذا اختلفا جعل غيرهما، وإن اتَّفقا جازَ حُكْمُهما.
          وسُئل عامرٌ عن رجلٍ وامرأة حَكَّما رجلاً، ثمَّ بدا لهما أنَّ يَرْجِعا، فقال: ذلك لهما ما لم يتكلَّما، فإذا تكلَّما فليس لهما أن يرجعا. وقال مالك في الحكمين يطلِّقان ثلاثاً، قال: تكون واحدة، وليس لهما الفراق بأكثرَ من واحدةٍ بائنة، وقال ابنُ القاسم: يلزمه الثَّلاث إن اجتمعا عليها وبه قال المغيرة وأشهب وابن الماجشون وأصبغ، وقال ابنُ المواز: إن حَكَمَ أحدُهما بواحدةٍ، والآخر بثلاث فهي واحدة. وحكى ابنُ حبيب عن أصبغ: أنَّ ذلك ليس بشيءٍ.