نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قصة فاطمة بنت قيس

          ░41▒ (بابُ قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) لم يذكر لفظ: <باب> في رواية الأكثرين، وفي رواية البعض ذكر لفظ: <باب>، وعليه مشى ابن بطَّال، وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن عَمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشيَّة الفهريَّة أخت الضَّحَّاك بن قيس.
          يقال: إنَّها كانت أكبر منه بعشر سنين، وكانت من المهاجرات الأول، وكانت ذاتَ جمالٍ وعَقْل وكَمَالٍ، وفي بيتها اجتمع أهل الشُّورى عند قتل عُمر بن الخطَّاب ☺، وخطبوا خطبتهم المأثورة، وقال الزُّبير: وكانت امرأة نَجُوداً، والنَّجود: النَّبيلة. قال أبو عُمر: روى عنها الشَّعبي وأبو سلمة.
          وأمَّا الضَّحَّاك بن قيس، فإنَّه كان من صغار الصَّحابة، وقال أبو عُمر: يقال: إنَّه وُلِدَ قبل وفاة النَّبي صلعم بسبعِ سنين، أو نحوها، وينفون سماعَه من النَّبي صلعم . /
          وكان على شرطة معاوية ☺، ثمَّ صار عاملاً له على الكوفة بعد زياد، وولاه عليها معاوية ☺ سنة ثلاث وخمسين، وعزله سنة سبع وخمسين، وولى مكانه عبدَ الرَّحمن بنَ أم الحكم، وضمَّه إلى الشَّام، فكان معه إلى أن مات معاويةُ ☺، فصلَّى عليه وقام بخلافته، حتَّى قدم يزيد بن معاوية، فكان معه إلى أن مات يزيد، ومات بعده ابنُه معاوية بن يزيد، ووثب مروان على بعض الشَّام، وبويع له، فبايع الضَّحَّاكُ بنُ قيس وأكثرُ أهلِ الشَّام لابن الزُّبير، وعاد إليه، فاقتتلوا، فقُتِلَ الضَّحَّاكُ بن قيس بمرج راهط للنِّصف من ذي الحجَّة سنة أربع وستين، رُوى عنه الحسن البصريُّ، وتميم بن طرفة، ومحمد بن سويد الفهري، وميمون بن مهران، وسماك بن حرب، وأمَّا قصَّة فاطمة، فقد رُوِيَتْ من وجوهٍ صحاحٍ متواترةٍ.
          وقال مسلم في «صحيحه»: باب المطلَّقة ثلاثاً لا نفقة لها، ثمَّ روى قصَّتها من طُرق متعدِّدة. فأوَّل ما روى: حدَّثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأتُ على مالك، عن عبد الله بن يزيد، مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن، عن فاطمة بنت قيس: أنَّ أبا عَمرو بن حفص طلَّقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيءٍ، فجاءت رسول الله صلعم فذكرتْ ذلك له، فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) فأمرها أن تعتد في بيت أمِّ شريك، ثمَّ قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أمِّ مكتوم، فإنَّه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللتِ فآذنيني))، قالت: فلمَّا حللت ذكرتُ له أنَّ معاويةَ بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلعم : ((أمَّا أبو جهم فلا يضعُ عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوكٌ لا مالَ له، انكحي أسامة بن زيد)) فكرهته، ثمَّ قال: ((انكحي أسامة)) فنكحْتُه، فجعل الله فيه خيراً، واغْتَبَطْتُ، وفي رواية أخرى: ((لا نفقةَ لك، ولا سُكنى))، وفي رواية: ((لا نفقةَ لك، فانتقلِي فاذهبي إلى ابن أمِّ مكتوم فكوني عنده)).
          وفي رواية أبي بكر بن / أبي الجهم قال: سمعتُ فاطمة بنت قيس تقول: أرسل إلي زوجي أبو عَمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي، وأرسل معه بخمسة آصع تمر، وخمسة آصع شعير، فقلت: أما لي نفقةٌ إلَّا هذا، ولا أعتدُّ في منزلكم؟ قال: لا، قالت: فشددْتُ عليَّ ثيابي، وأتيت رسولَ الله صلعم ، فقال: ((كم طلَّقك)) قلت: ثلاثاً، قال: ((صَدَقَ، ليس لك نفقة، اعتدي في بيت ابن عمِّك ابن أمِّ مكتومٍ))، الحديث. وأخرج الطَّحاوي حديث فاطمة بنت قيس هذه من ستَّة عشر طريقاً كلُّها صحاح.
          منها: ما قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيِّ، عن يحيى قال: حدَّثني أبو سلمة، قال: حدَّثتني فاطمة بنت قيس: أنَّ أبا عَمرو بن حفص المخزومي طلَّقها ثلاثاً، فأمرَ لها بنفقة فاستقلَّتها، وكان النَّبيُّ صلعم بعثه نحو اليمن، فانطلق خالد بن الوليد ☺ في نفر من بني مخزوم إلى النَّبي صلعم ، وهو في بيت ميمونة ♦، فقال: يا رسول الله، إنَّ أبا عَمرو بن حفص طلَّق فاطمة ثلاثاً فهل لها من نفقة؟ فقال النَّبيُّ صلعم : ((ليس لها نفقة، ولا سُكنى، وأرسل إليها: أن تنتقلَ إلى أمِّ شريك، ثمَّ أرسل إليها: إنَّ أمَّ شريك يأتيها المهاجرون الأوَّلون، فانتقلي إلى ابنِ أم مكتوم، فإنَّك إذا وضعتِ خمارك لم يرك))، ثمَّ إنَّ العُلماء اختلفوا في هذا الباب في فصلين:
          الأول: أنَّ المطلَّقة ثلاثاً لا يجب لها النَّفقة، ولا السُّكنى عند قوم إذا لم تكن حاملاً، واحتجُّوا بالأحاديث المذكورة، وهم: الحسن البصري وعَمرو بن دينار وطاوس وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والشَّعبي وأحمد وإسحاق وإبراهيم في رواية، وأهل الظَّاهر.
          وقال قوم: لها النَّفقة والسُّكنى حاملاً أو غير حاملٍ، وهم حمَّاد وشريح والنَّخعي والثَّوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة / والحسن بن صالح، وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو مذهبُ عُمر بن الخطَّاب وعبد الله بن مسعود ☻ .
          وقال قوم: لها السُّكنى بكلِّ حال، والنَّفقة إذا كانت حاملاً، وهم عبد الرَّحمن بن مهدي ومالك والشَّعبي وأبو عبيد، واحتجَّ أصحابنا فيما ذهبوا إليه بأنَّ عمر وعائشة وأسامة بن زيد ♥ ردُّوا حديث فاطمة بنت قيس، وأنكروه عليها، وأخذوا في ذلك بما رواه الأعمشُ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عُمر ☺، أنَّه قال: لا ندعُ كتابَ ربِّنا وسنَّةَ نبيِّنا لقولِ امرأةٍ وَهِمَت، أو نَسِيَتْ، وكان عمرُ ☺ يجعلُ لها النَّفقةَ والسُّكنى.
          وروى مسلم: حدَّثنا أبو أحمد: حدثنا عمَّار بن زريق، عن أبي إسحاق قال: كنتُ مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، ومعنا الشَّعبي، فحدَّث الشَّعبي بحديثِ فاطمة بنت قيس: أنَّ رسول الله صلعم لم يجعلْ لها سُكنى، ولا نفقة، ثمَّ أخذ الأسود كفًّا من حصى، فحصبَه به، فقال: ويلك تحدَّث بمثل هذا، قال عُمر ☺: لا نترك كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّنا بقول امرأة لا ندري حفظتْ أم نسيتْ، لها السُّكنى والنَّفقة، قال الله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]. وأخرجه أبو داود ولفظه: ((لا ندري أحفظتْ أو لا)). وأخرجه النَّسائي ولفظه: قال عُمر لها: إن جَئْتِ بشاهدين يشهدان أنَّهما سَمِعَاه من رسولِ الله صلعم ، وإلَّا لم نترك كتابَ الله لقولِ امرأة.
          الفصل الثَّاني: في حُكْمِ خروج المبتوتة بالطَّلاق من بيتها في عدَّتها، فمنعتْ من ذلك طائفةٌ، روي ذلك عن ابنِ مسعود وعائشة ☻ ، وبه قال سعيد بن المسيَّب والقاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرَّحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار، وقالوا: تعتدُّ في بيت زوجها حيثُ طلَّقها. وحكى أبو عبيد هذا القولَ عن مالك / والثَّوري والكوفيين، وأنَّهم كانوا لا يرون أن لا تبيتَ المبتوتة، والمتوفَّى عنها زوجها إلَّا في بيتها.
          وفيه قول آخر: أنَّ المبتوتةَ تَعْتَدُّ حيثُ شاءت، روي ذلك عن ابن عبَّاس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعكرمة، وكان مالكٌ يقول: المتوفَّى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ النَّاس بعد العشاء، ثمَّ تنقلب إلى بيتها، وهو قول اللَّيث والشَّافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفَّى عنها زوجها نهاراً، ولا تبيت إلَّا في بيتها، ولا تخرج المطلَّقة ليلاً ولا نهاراً، وقال محمد: لا تخرج المطلَّقة، ولا المتوفَّى عنها زوجها ليلاً ولا نهاراً في العدَّة.
          وقام الإجماع على أنَّ الرَّجعيَّة تستحقُّ السُّكنى والنَّفقة، إذ حُكْمُها حكم الزَّوجات في جَميعِ أمورها.
          (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطف على قصَّة؛ أي: قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} هذا المقدار من الآية ثبت هنا في رواية الأكثرين، وفي رواية النَّسفي بعد قوله: {بُيُوتِهِنَّ} <الآية>؛ يعني: اقرأ الآية إلى آخرها إلى قوله: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7]. وفي رواية كريمة ساق الآيات كلَّها، وهي ستُّ آيات أولها من قوله تعالى: <{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:1-7] >.
          قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ}.
          ({وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}) الذي خلقكُم ({لاَ تُخْرِجُوهُنَّ}) أي: المطلَّقات طلاقاً رجعيًّا أو بائناً بخُلْعٍ أو ثلاث، حاملاً كانت أو حائلاً، غَضَبَاً عليهنَّ، وكراهيةً لمساكنتهنَّ، أو لحاجةٍ لكم إلى المساكن، ولا تأذنوا لهنَّ في الخروج إذا طلبنَ ذلك إيذاناً بأنَّ إذنهم لا أثرَ له في رفع الحظرِ على قول.
          ({مِنْ بُيُوتِهِنَّ}) أي: من مساكنهنَّ التي تسكنها قبل العدَّة، وهي بيوتُ الأزواج، وأضيفت إليهنَّ؛ لاختصاصها بهنَّ من حيثُ السُّكنى ({وَلاَ يَخْرُجْنَ}) أي: من مساكنهنَّ بأنفسهنَّ إن أردنَ ذلك، ولو وافق الزَّوج على قول، وعلى الحاكم المنع منه؛ لأنَّ في العدَّة حقاً لله تعالى، وقد وجبتْ في ذلك المسكن. وفي «الحاوي» و«المهذب» وغيرهما / من كتب العراقيين: أنَّ للزَّوج أن يُسْكِنَها حيثُ شاء؛ لأنَّها في حكم الزَّوجة، وبه جزم النَّووي في «نكته»، قيل: والأوَّل أولى؛ لإطلاق الآية. وقال الأذرعي: إنَّه المذهبُ المشهور؛ يعني: عند الشَّافعية، والزَّركشي: إنَّه الصَّواب.
          ({إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}) قيل: هي الزِّنا فيخرجنَ لإقامة الحدِّ عليهنَّ، قاله ابن مسعود ☺، وبه أخذ أبو يوسف. وقيل: الفاحشةُ النُّشوز، والمعنى: إلَّا أن يطلَّقنَ على نشوزهنَّ فيخرجنَ؛ لأنَّ النُّشوز يسقطُ حقهنَّ في السُّكنى، قاله ابن عبَّاس ☻ . وقيل: إلَّا أن يكن بذيئات (1) اللِّسان على أحمائها، قاله ابن عبَّاس ☻ أيضاً. وقيل: هي خروجها قبل انقضاء العدَّة، قاله النَّخعي، وبه أَخَذَ أبو حنيفة.
          قال المحقِّق ابن الهُمَّام: وقولُ ابن مسعود ☺ أظهر من جهة وضع اللَّفظ؛ لأنَّ إلَّا غاية، والشَّيء لا يكون غاية لنفسه، وما قاله النَّخعي أبدعُ وأعذبُ في الكلام، كما يقال في الخطابيات: لا تزني إلَّا أن تكون فاسقاً، ولا تشتم أمَّك إلَّا أن تكون قاطع رحم ونحوه، وهو بديعٌ بليغ جداً.
          (وَتِلْكَ) أي: الأحكام المذكورة ({حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}) عرَّضَها للعقاب؛ أي: استحقَّ عقاب الله ({لاَ تَدْرِي}) أي: النَّفس، وقيل: لا تدري أنت يا محمد، وقيل: لا تدري أيُّها المطلِّق ({لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ}) أي: بعد الطَّلاق مرَّة أو مرَّتين ({أَمْراً}) أي: رجعة ما دامت في العدَّة بأن يقلبَ قلب المطلِّق من بُغْضِها إلى محبَّتها، ومن الرَّغبة عنها إلى الرَّغبة فيها، ومن عزيمة الطَّلاق إلى النَّدم عليه، فيراجعها، وهنا آخر الآية.
          ثمَّ ابتدأ المصنف بآية أخرى من سورة الطَّلاق، فقال: ({أَسْكِنُوهُنَّ}) المطلَّقات من نسائكم ({مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}) كلمة {مِنْ} للتَّبعيض؛ أي: من بعض مكان سكناكم. وعن قتادة: إن لم يكن له إلَّا بيت واحد، فإنَّه يُسكنها في بعض جوانبه ({مِنْ وُجْدِكُمْ}) بيان وتفسير لقوله: {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق:1-6]، كأنَّه قيل: أسكنوهنَّ مكاناً / من مسكنكُم ممَّا تطيقونه حتَّى تنقضيَ عدتهنَّ، والوُجْدُ: الوُسْعُ والطَّاقة.
          ({وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ}) أي: ولا تؤذوهنَّ ({لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}) في المسكنِ ببعض الأسباب حتى تضطروهنَّ إلى الخروج ({وَإِنْ كُنَّ}) أي: المطلَّقات ({أُولاَتِ حَمْلٍ}) ذوات الأحمال ({فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}) فيخرجنَ من العدَّة (إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}) يريد قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أي: أولادكم {فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} على رضاعهنَّ {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:6]، يعني: ليقبل بعضُكم على بعض إذا أمروا بالمعروف. وقال الفرَّاء: أي: هموا، وقال الكسائي: أي: شاوروا. وقيل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} يعني: هؤلاء المطلَّقات إن أرضعنَ لكم وَلَداً من غيرهنَّ، أو منهنَّ بعد انقطاعِ عصمة الزَّوجيَّة، فآتوهنَّ أجورهنَّ، وحكمهنَّ في ذلك حُكم الأظآر، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهنَّ ما لم تَبِنْ، ويجوز عند الشَّافعي.
          {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} يعني: في الإرضاع، فأبى الزَّوجُ أن يعطيَ المرأةَ أجرةَ رَضاعها، وأبت الأمُّ أن تُرضعه فليس له إكراهها على إرضاعهِ {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق:6] أي: فستوجد، ولا تعوزُ مرضعةٌ غير الأم ترضِعه.
          {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] أي: على قدر غناه {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ} أي: ومن ضيِّق عليه {رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ} أي: فلينفق من ذلك الذي أعطاه الله وإن كان قليلاً {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا} أي: إلَّا ما أعطاها من المال {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ} أي: بعد ضيقِ في المعيشة {يُسْراً} [الطلاق:7] أي: سعة. وهذا وعدٌ لفقر الأزواج بفتح أبواب الرِّزق عليهم، ويستفادُ منه وَعْدٌ لذي العُسْر باليُسر.


[1] في هامش الأصل: البذاء، بالباء الموحدة والذال المعجمة وبالمد: الفحش في الأقوال، يقال: فلان بذيء اللسان إذا كان أكثرُ كلامه فاحشاً. منه.