نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}

          ░23▒ (بابُ الظِّهَارِ) هو: بكسر الظاء. قال صاحب كتابُ «العين»: هو مظاهرة الرَّجل من امرأته، إذا قال: هي علي كظهر ذات رحمٍ محرمٍ، وفي «المحكم»: ظَاهَرَ الرَّجلُ امرأته مُظاهرة وظهاراً، إذا قال: هي عليَّ كظهر ذات رحمٍ مَحْرَمٍ، وقد تَظَهَّرَ منها وتَظَاهَرَ، وزاد المطرِّزي: واظَّاهر. وفي «الجَّامع» للقزَّاز: ظاهر الرَّجل من امرأته، إذا قال: أنت عليِّ كظهر أميِّ، أو كذات محرم، وتبعه على هذا غير واحد من اللُّغويين، وقال المحقِّق ابن الهمام: هو لغة مصدر ظاهر، وهو مفاعلة، من الظَّهر، فيصحُّ أن يرادَ به معان مختلفة ترجع إلى الظَّهر معنى ولفظاً بحسب اختلاف الأغراض، فيقال: ظاهرتُ؛ أي: قابلتَ ظهركَ بظهره حقيقة، وإذا غايظته / أيضاً، وإن لم يدابره حقيقة باعتبار أنَّ المُغايظة تقتضي هذه المقابلة، وظاهرته: إذا نصرته باعتبار أنَّه يقال: قوَّى ظهره: إذا نصره، وظاهر من امرأته وأظهر وتظاهر واظَّاهر وظهر وتظهر، إذا قال لها: أنت عليَّ كظهر أمِّي.
          وظاهر بين ثوبين: إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي به كلاًّ منهما الآخر ظهراً، وغاية ما يلزم كون لفظ الظَّهر لبعض هذه التَّراكيب مجازاً، وكونه مجازاً لا يمنع الاشتقاق منه، ويكون المشتق مجازاً أيضاً، وقال حافظُ الدِّين النَّسفي: الظِّهار: تشبيهُ المنكوحةِ بامرأةٍ محرمةٍ عليه على التَّأبيد مثل الأم والبنت والأخت حرم عليه الوطء ودواعيه، بقوله: أنت عليَّ كظهر أُمِّي حتَّى يُكَفِّر. وقيل: إنَّما خصَّ الظَّهر بذلك دون سائر الأعضاء؛ لأنَّه محل الرُّكوب غالباً، ولذلك سُمِّي المركوب ظهراً، فشبَّه الزَّوجة بذلك؛ لأنَّها مركوب الرَّجل، فلو أضاف لغير الظَّهر مثل البطن والفخذ والفرج كان ظهاراً، بخلاف اليد.
          وعند الشَّافعي في القديم لا يكون ظهاراً لو قال: كظهرِ أختي، بل يختصُّ بالأم، ولو قال كظهر أبي مثلاً لا يكون ظهاراً عند الجمهور، وعن أحمد في رواية: ظهار. وقيل: الظَّهر هنا مجاز عن البطن؛ لأنَّه إنَّما يركب البطنَ، فكظهر أمي؛ أي: كبطنها بعلاقة المجاورة، ولأنَّه عموده، لكن لا يظهر ما هو الصَّارف عن الحقيقة من النِّكات، وقيل: خصَّ الظَّهر؛ لأنَّ إتيان المرأة عن ظهرها كان حراماً، وإتيان أمِّه من ظهرها أحرم، فكثر التَّغليظ.
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) ويروى: <╡> وهو بالجرِّ عطف على الظِّهار ({قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً}) يعني: سبق بالتِّلاوة قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة:1] إلى قوله: {سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:4]، كذا في رواية أبي ذرٍّ والأكثرين، وفي رواية ابن عساكر بعد قوله: <{زَوْجِهَا} الآية> وحذف ما بعدها، وفي رواية كريمة: ساق الآيات كلَّها بالكتابة إلى الموضع المذكور، / وهي ثلاثُ آيات: قال تبارك وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي} أي: قول المرأة الَّتي {تُجَادِلُكَ}؛ أي: تخاصِمُك وتحاوِرُكَ {فِي زَوْجِهَا} وهي امرأة من الأنصار من الخزرج، واختلفوا في اسمها ونسبها فعن ابن عبَّاس ☻ ، هي خولةُ بنت خويلد، وعن أبي العالية: خولةُ بنت دُلَيْج، وعن قتادة: خويلة بنتُ ثَعْلبة.
          وعن مقاتل بن حيَّان: خولة بنتُ ثَعْلبة بن مالك بن حرام الخزرجيَّة، من بني عَمرو بن عوف، وعن عطيَّة، عن ابن عبَّاس ☻ : خولة بنت الصَّامت، وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ♦: أنَّ اسمها جميلة، وزوجها أوس بن الصَّامت، أخو عبادة بن الصَّامت ☻ . وقيل: كانت أمةً لعبد الله بن أُبي، وهي التي نزل فيها: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33]، وقال أبو عُمر: هي خولةُ بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف، وهو الأصحُّ، ولا يثبت شيءٌ غير ذلك، وزوجها أوس بن الصَّامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصاريُّ، شهد بدراً وأحداً والمشاهدَ كلَّها مع رسولِ الله صلعم ، وبقي إلى زمن عثمان ☺.
          {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} روى الإمام أحمدُ عن عائشة ♦، أنَّها قالت: الحمد لله الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت المجادِلة إلى النَّبي صلعم تكلِّمه، وأنا في جانب البيت أسمعُ ما تقول فأنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] إلى آخر الآية، وعند النَّسائي وابن ماجه عن عائشة ♦ أيضاً: ((تبارك الذي أوعى سمعُه كلَّ شيءٍ إنِّي أسمعُ كلامَ خولة بنت ثعلبة، وهي تشتكِي زوجها إلى رسول الله صلعم ، وهي تقول: يا رسول الله، أكلَ مالي وأفنى شبابي، ونفضتُ له بطني حتَّى إذا كبرت سنِّي، وانقطعَ ولدي، ظاهر منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليك، قالت: فما برحتْ حتَّى نزلَ جبريل بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] إلى آخر الآية)).
          وروي: أنَّ خولة بنت ثعلبة كانت امرأةً جسيمةَ الجسم، فرآها زوجها ساجدة في صلاتها، فنظر إلى عجيزتها، فلمَّا انصرفت أرادها / فامتنعتْ عليه، وكان امرأ فيه سرعة ولمم، فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمِّي، ثمَّ ندم على ما قال، وكان الإيلاء والظِّهار من طلاق أهل الجاهليَّة، فقال لها: ما أظنُّك إلَّا قد حَرُمْتِ عليَّ، فأتت النَّبيَّ صلعم فقالت: يا رسول الله، إنَّ زوجي أوس بن الصَّامت تزوَّجني وأنا شابَّة غنيَّةٌ ذاتُ مالٍ وأهلٍ، حتَّى إذا أكلَ مالي وأفنى شبابي، وتفرَّق أهلي، وكبر سنِّي، ظاهر منِّي، وقد ندم فهل من شيءٍ يجْمَعُني وإيَّاه ينعشني به، فقال رسول الله صلعم : ((حَرُمتِ عليه)) فقالت: يا رسول الله، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً، وإنَّه أبو ولدي وأحبُّ النَّاس إليَّ، فقال رسول الله صلعم : ((حَرُمتِ عليه)) أَشْكُو إلى الله فاقتي ووحدَتي قد طالت صُحبي، ونفضت له بطني، أي: كثر ولدي، فقال رسول الله صلعم : ((ما أراك إلَّا وقد حَرُمت عليه، ولم أؤمر في شأنك بشيءٍ)).
          فجعلتْ تراجعُ رسولَ الله صلعم فإذا قال لها رسول الله صلعم : ((حَرُمتِ عليه)) هتفت، وقالت: أشكو إلى الله فاقتي، وشدَّة حالي، اللَّهمَّ أْنزِلْ على لسان نبيك.
          وروي أنَّها قالت: إنَّ لي صبية صغاراً إن ضممتُهم إليه ضاعوا، وإن ضممتُهم إليَّ جاعوا، فقال لها صلعم : ((ما عندي في أمرك شيءٌ))، وكان هذا أوَّلَ ظهارٍ في الإسلام، فأنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآيات الأربع، قال لها: ((ادعي زوجك)) فجاء فتلا عليه رسول الله صلعم : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} الآيات، ثمَّ قال له: ((هل تستطيع أن تعتقَ رقبة؟)) قال: إذاً يذهب مالي كله؛ الرَّقبة غالية، وأنا قليلُ المال، فقال رسول الله صلعم : ((هل تستطيع أن تصومَ شهرين مُتتابعين؟)) قال: والله يا رسول الله إنِّي إنْ لم آكل في اليوم ثلاث مرَّات كَلَّ بصري، وخشيتُ أن تعشوَ عيني، قال: ((فهل تستطيعُ أن تطعمَ ستين مسكيناً؟)) قال: لا والله، إلَّا أن تعينني على ذلك يا رسول الله، قال رسول الله صلعم : ((إنِّي معينك بخمسة عشرة صاعاً))، / واجتمع لهما أمرهما، فذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} أي: تراجعكما الكلام فيه، وهو على تغليب الخطاب {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] للأقوال والأحوال.
          قال في «النِّهاية»: وفي أسماء الله تعالى السَّميع، وهو الذي لا يغيب عن إدراكه مسموع، وإن خفيَ فهو يسْمَعُ بغير جارحة، وقال الرَّاغب: السَّمع: قوَّة في الأذن بها تُدْرَكُ الأصوات، فإن وُصِفَ اللهُ تعالى بالسَّمع، فالمراد: عِلْمُه بالمَسْمُوعات.
          {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2] مبتدأ خبره: مخطئون، أقيم مقامه دليله، وهو قوله: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} وقيل: الخبر هو نفسه، وكلمة منكم توبيخٌ للعرب، وتهجين لعادتهم في الظِّهار؛ لأنَّه كان من أيمان أهل جاهليتهم خاصَّة دون سائر الأمم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} على الحقيقة {إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} فلا يُشَبَّه بهنَّ في الحرمة إلَّا من ألحقها الله بهنَّ كالمرضعات وأزواج الرَّسول {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ} إذ الشَّرع أنكره {وَزُوراً} مُحَرَّفاً عن الحق، فإنَّ الزوجةَ لا تشبه الأم {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2]، لما سلف منه مطلقاً، أو إذا أتيب عنه.
          {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] أي: إلى قولهم بالتَّدارك، ومنه المثل: عاد الغيثُ على ما أفسد، وهو بنقضِ ما يقتضيه، وسيجيء ما هو المراد منه على اختلاف فيه {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: فعليهم، أو فالواجب: إعتاق رقبة، والفاء للسببية، ومن فوائدها: الدَّلالة على تكرُّر وجوب التَّحرير بتكرُّر الظِّهار، والرَّقبة مقيدة بالإيمان عند الشَّافعيِّ خلافاً لأبي حنيفة {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أن يستمتع كلٌّ من المظاهِر والمظاهَر عنها بالآخر؛ لعموم اللَّفظ، ومقتضى التَّشبيه، وسيجيء ما هو المراد من الاستمتاع، وفيه دليل على حُرمة ذلك قبل التَّكفير.
          {ذَلِكُمْ} أي: ذلك الحكم بالكفَّارة {تُوعَظُونَ بِهِ} لأنَّه يدلُّ على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة، ويردع عنه {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:3] لا يخفى عليه خافية {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المجادلة:4] أي: الرَّقبة، والذي غاب ماله واجد {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} فإن أفطرَ / لغير عذر لزم الاستئناف، وإن أفطر لعذر ففيه خلاف، وإن جامع المظاهر عنها ليلاً لم ينقطع التتابع عند الشَّافعي خلافاً لأبي حنيفة ومالك {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} أي: الصَّوم لهَرَمٍ، أو مَرَضٍ مزمنٍ، أو شَبَقٍ مُفرط، فإنَّه صلعم رخَّص للأعرابي المفطر أن يعدلَ؛ أي: يفدي لأجله {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:4] ستين مداً بمدِّ رسول الله صلعم ، وهو رطلٌ وثلث؛ لأنَّه أقل ما قيل في الكفَّارات وجنسه المخرج في الفطرة.
          وقال أبو حنيفة: يُعطي كلَّ مسكين نصفَ صاع من برٍّ، أو صاعاً من غيره، والصَّاع: أربعة أمداد، قاله الكاكي، واعلم أنَّ الألفاظ التي يصيرُ بها المرءُ مظاهراً على نوعين: صريحٌ: نحو أنت عليَّ كظهر أمِّي، أو مثل أمِّي، أو نحوهما يعتبر فيه نيته، فإن أراد ظهاراً كان ظهاراً، وإن لم ينو لا يصيرُ مظاهراً، وعند محمد بن الحسن: هو ظهار، وعن أبي يوسف: هو مثله إن كان في الغضب، وعنه أنَّه يكون إيلاء، وإن نوى طلاقاً كان طلاقاً بائناً، ثمَّ إنَّه لا يكون الظِّهار إلَّا بالتَّشبيه بذات رحمٍ مَحْرمٍ؛ فإذا ظاهر بغير ذات محرم فليس بظهار، وبه قال الحسن وعطاء والشَّعبي، وهو قولُ أبي حنيفة والشَّافعي في قول، وعنه وهو أشهرُ أقواله: أنَّ كلَّ من ظاهر بامرأةٍ حلَّ له نكاحها يوماً من الدَّهر، فليس ظهاراً، ومن ظاهر بامرأة لم يحل له نكاحها قطُّ فهو ظهار، وقال مالك: من ظاهر بذات محرمٍ، أو أجنبية فهو كله ظهار.
          وعن الشَّعبي: لا ظهار إلَّا بأم أو جدَّة، وهو قولٌ للشَّافعي، رواه عنه أبو ثور، وبه قالت الظَّاهرية، واختلفوا فيمن ظاهر من أجنبيَّة، ثمَّ تزوَّجها فروى القاسم بن محمد، عن عُمر بن الخطاب ☺: إنْ تزوَّجها فلا يقربها حتَّى يُكَفِّر، وهو قول عطاء وسعيد بن المسيَّب والحسن وعروة.
          قال ابنُ حزم: صحَّ ذلك عنهم، وقال العينيُّ: إن أراد بالصَّحة عن المذكورين؛ فالأثر عن عُمر منقطع؛ لأنَّ القاسم لم يولد إلَّا بعد عمر ☺، وإن أرادَ عن الباقين فيمكن، وقال / في «التَّلويح»: قال أبو عُمر: قال ابنُ أبي ليلى والحسن بن حيٍّ: إن قال: كلُّ امرأة أتزوَّجها فهي عليَّ كظهر أمِّي، أو سمى قرية، أو قبيلة، لزمه الظِّهار.
          وقال الثَّوري فيمن قال: إن تزوَّجتُك فأنت طالقٌ، وأنت عليَّ كظهر أمِّي، ووالله لا أقربك أربعة أشهر، فما زاد، ثمَّ تزوَّجها وقع الطَّلاق، وسقط الظِّهار والإيلاء؛ لأنَّه بدأ بالطَّلاق، ثمَّ إنَّ كلَّ زوج صحَّ طلاقه صحَّ ظهاره سواء كان حرًّا، أو رقيقاً مسلماً، أو ذمِّياً دَخَلَ بالمرأة، أو لم يدخل بها كان قادراً على جِماعها، أو عاجزاً عنه، وكذلك يصحُّ من كلِّ زوجةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، أو رتقاء أو سليمة محرمة أو غير محرمة، ذمِّية أو مسلمة، أو في عدَّة يملك رجعتها.
          وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ ظهارُ الذِّمي، وقال مالك: لا يصحُّ ظهار العبد، وقال بعضُ العلماء: لا يصحُّ ظهارُ غير المدخول بها، وقال المزني: إذا طلَّق الرَّجل امرأتَه طلقةً رجعيَّة، ثمَّ ظاهر منها، فإنَّه لا يصحُّ، واختُلِفَ في الظِّهار من الأمة وأمِّ الولد، فقال الكوفيُّون والشَّافعيُّ: لا يصحُّ الظِّهار منهما، وقال مالك والثَّوري والأوزاعي واللَّيث: يكون من أمته مظاهراً.
          احتجَّ الكوفيون بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:3] والأمة ليست من نسائنا، ثمَّ إن الكفَّارةَ تحريرُ رقبةٍ قبل الوطء سواء كانت ذكراً أو أنثى صغيرة أو كبيرة مسلمة أو كافرة؛ لإطلاق النَّص، وقال الشَّافعي: لا يجوز الكافرة، وبه قال مالك وأحمد، وقال ابنُ حزم: يجوز المؤمن والكافر والسَّالم والمعيب والذَّكر والأنثى. وقال أبو حنيفة والشَّافعي ومالك: لا تجوزُ الرَّقبة المعيبة، وقال ابن حزم: وروِّينا عن النَّخعي والشَّعبي: أنَّ عِتْق الأعمى يُجزئ في ذلك، وعن ابن جُريج: أنَّ الأشلَّ يجزئ في ذلك، وقال أبو حنيفة: المجنون لا يصحُّ، ثمَّ اعلم أنَّ الكفَّارة على أنواع:
          الأول: عِتْق الرَّقبة، فإنْ عَجَزَ صَامَ شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان والأيام المنهيَّة، وهي يوما العيدين وأيام التشريق، / فإن وطئ فيهما ليلاً أو نهاراً، ناسياً أو عامداً، استأنف الصَّوم، وذكر ابن حزم عن مالك أنَّه إذا وطئ التي ظاهر منها ليلاً قبل تمام الشَّهرين يبتدئ بهما.
          وقال أبو حنيفة والشَّافعي: يُتِمَّها بَانِيَاً على ما صام منهما، وقال أصحابنا: فإن وطئها في الشَّهرين ليلاً عامداً، أو يوماً ناسياً، أو أفطر فيهما مطلقاً، يعني: سواء كان لعذر أو لغير عذرٍ استأنف الصَّوم عندهما.
          وقال أبو يوسف: لا يستأنفُ إلَّا بالإفطار، وبه قال الشَّافعي، وقال مالك وأحمد: إن كان بعذرٍ لا يستأنف، ولم يجز للعبد إلَّا الصَّوم، فإن لم يستطع الصَّوم أطعم ستين مسكيناً كالفطرة في قدر الواجب؛ يعني: نصفَ صاع من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ أو شعيرٍ، قال الشَّافعي: لكلِّ مسكين مُدٌّ من غالبِ قوت بلده، وعند مالك: مدٌّ بمد هشام، وهو مدَّان بمدِّ النَّبي صلعم ، وعند أحمد: من البرِّ مد، ومن تَمْرٍ وشعيرٍ مدَّان.
          وإن أطعم ثلاثين مسكيناً، ثمَّ وَطِئَ، فقال الشَّافعي وأبو حنيفة: يتم الإطعام، كما لو وَطِئَ قبل أن يطعمَ لم يكن عليه إلَّا طعامٌ واحد، وقال اللَّيث والأوزاعي ومالك: يستأنفُ إطعام ستين مسكيناً، ثمَّ إنَّ من ظاهر، ثمَّ كرَّر ثانية أو ثالثة، فليس عليه إلَّا كفَّارة واحدة، فإن كرَّر رابعة فعليه كفَّارة أخرى، قاله ابن حزم، وعن عليٍّ ☺: إذا ظاهر في مجلسٍ واحدٍ مراراً فكفَّارةٌ واحدة، وإنْ ظاهرَ في مقاعدَ شتَّى فعليه كفَّارات شتَّى، والأيمان كذلك، وهو قول قتادة وعَمرو بن دينار، قال ابن حزمٍ: صحَّ ذلك عنهما، وقال آخرون: ليس في ذلك إلَّا كفَّارة واحدة.
          قال ابنُ حزم: روِّينا عن طاوس وعطاء والشَّعبي، أنَّهم قالوا: إذا ظاهر من امرأةٍ خمسينَ مرَّة، فإنَّما عليه كفَّارة واحدة، وصحَّ مثله عن الحسن، وهو قول الأوزاعي، وقال الحسن أيضاً: إذا ظاهر مراراً، فإن كان في مجالس شتَّى فكفَّارة واحدة ما لم يُكَفِّر، والأَيمانُ كذلك، قال مَعمر: وهو قول الزُّهري، وقول مالك، وقال أبو حنيفة: إن كان كرَّر الظِّهار في مجلسٍ واحدٍ، ونوى التِّكرار / فكفَّارة واحدة، وإن لم يَكُن له نيَّةٌ فلكلِّ ظهار كفَّارة، وسواء كان ذلك في مجلسٍ واحدٍ، أو مجالس، ثمَّ إنَّه روي عن الثَّوري: أنَّه لا بأس أن يُقَبِّلَ التي ظَاهَرَ منها قبل التَّكفير، ويباشرها فيما دون الفرج؛ لأنَّ المسيس هنا: الجماع، وهو قول الحسن وعطاء وعَمرو بن دينار وقتادة، وقول أصحاب الشَّافعي، ورُوِيَ عنه، أنَّه قال: أحبُّ إليَّ أن يمتنع من القُبْلَة والتلذُّذِ احتياطاً. وقال أحمد وإسحاق: لا بأس أن يقبِّل ويباشر، وأبى مالك من ذلك ليلاً أو نهاراً، وكذا في صيام الشَّهرين، قال: ولا ينظرُ إلى شعرها، ولا إلى صدرها حتَّى يُكَفِّر، وقال الأوزاعيُّ: يأتي منها ما دون الإزار كالحائضِ، وقال أصحابنا: كما يحرمُ عليه الوطء قبل التَّكفير حرمت دواعيه، كاللَّمْسِ والقُبْلَةِ بشهوة، ثمَّ إنَّ من وَجَبَتْ عليه كفَّارةُ الظِّهار لم تسقطْ بموته، ولا بموتها، ولا طلاقه لها، وهي من رأسِ ماله، إن مات أوصى بها أو لم يوص، وهذا مذهب الشَّافعية.
          وعند أصحابنا: الدُّيون نوعان: حقوق الله تعالى، وحقوق العباد، ودين الله إن لم يُوصِ به يسقطُ سواء كان صلاة أو زكاة، ويبقى عليه المأثم والمطالبة في حكم الآخرة، وإن أوصى به يعتبر من الثُّلث، فعلى الوارث أن يطعمَ عنه لكلِّ صلاةٍ نصف صاع، كما في الفطرة، وللوتر أيضاً عند أبي حنيفة، وإن كان صوماً يصوم لِكُلِّ يومٍ كصلاة كلِّ وقت، وإن كان حجًّا فعلى الوارث الإحجاج عنه من الثُّلث، وكذا الحكم في النُّذور والكفَّارات، وأمَّا دين العباد فهو مقدَّم بكل حال.
          ثمَّ إنَّ ظهارَ العبد نحوُ ظهار الحرِّ، ففي «موطأ مالك» أنَّه سُئل ابن شهاب عن ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحرِّ. وقال مالك: صيامُ العبد في الظِّهار شهران، وقال أبو عمر: لا خلاف بين العلماء أنَّ الظِّهارَ للعبد لازمٌ، وأنَّ كفَّارته المجمع عليها الصَّوم.
          ثمَّ قال: واختلفوا في العتق والإطعام، فأجاز أبو ثور وداود للعبد العتق إن أعطاه سيِّدُه، وأبى ذلك سائرُ العلماء، وقال ابنُ القاسم عن مالك: إن أطعمَ / بإذن مولاه جازَ، وإن أعتقَ بإذنه لم يجز، وأحب إلينا أن يصومَ، وقال مالك: وإطعام العبد كإطعام الحرِّ ستين مسكيناً لا أعلم فيه خلافاً، ثمَّ إنَّهم اختلفوا في معنى العَوْد المذكور؛ فقال الشَّافعي: العَوْدُ الموجب للكفَّارة: أن يمسك عن طلاقها بعد الظِّهار مضي مدَّة يمكنه أن يطلِّقها فلم يطلِّقها.
          وقال قتادة: في قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] يريد أن يغشاها ويطأها بعد ما حرمها، وإليه ذهب أبو حنيفة قال: إن عزمَ على وطئها، ونوى أن يغشاهَا كان عَوْداً، ويلزمه الكفَّارة، وإن لم يعزم على الوطء؛ فإنَّه لا يكون عَوْداً، وقال مالك: إنْ وطئها كان عَوْداً وإن لم يطأها لم يكن عَوْداً. وقال أصحاب الظَّواهر: إن كرَّر اللَّفظ كان عَوْداً، وإلَّا لم يكن عوداً، وهو قول أبي العالية، وذكر ابن بطَّال: أنَّ العَوْد عند مالك هو العزم على الوطء، وحكي عنه: أنَّه الوطءُ بعينه، ولكنْ يقدِّم الكفَّارة عليه، وهو قول ابن القاسم، وأشار في «الموطأ» إلى أنَّه العزم على الإمساك والإصابة، وعليه أكثر أصحابه، وقال ابنُ المنذر: وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق، وذهب الحسنُ وطاوس والزُّهري: إلى أنَّ الوطءَ نفسَه هو العودُ، وقال الطَّحاوي: معنى العَوْد عند أبي حنيفة أنَّ لا يستبيح وطأها إلَّا بكفَّارة يقدمها، وفي «التَّلويح»: وقال أبو حنيفة: معنى العَوْد أنَّ الظِّهار يوجب تحريماً لا يرفعه إلَّا الكفَّارة، إلَّا أنَّه إن لم يطأها مدَّة طويلة حتى ماتت فلا كفَّارة عليه، سواء أراد في خلال ذلك وطأها، أو لم يرد، فإن طلَّقها ثلاثاً فلا كفَّارة عليه، فإن تزوَّجها بعد زوج آخر عاد عليه حكم الظِّهار، ولا يطأها حتَّى يكفر. وقال أبو حنيفة: الظِّهار قول كانوا يقولون في الجاهليَّة، فنهوا عنه، فكلُّ من قال فقد عاد لما قال، وقال ابنُ حزم: هذا لا يُحْفَظُ عن غيره، وقال ابنُ عبد البرِّ: قاله قبْلَه غيرهُ.
          وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف: أنَّه لو وطِئها، ثمَّ مات أحدهما لم يكن عليه كفَّارة، ولا كفَّارةَ بعد الجماع. /
          (وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ) قال البُخاري: وقال لي إسماعيل، هو: ابنُ أبي أويس، كذا وقع في رواية الأكثرين بلفظ: <لي> بعد قال، ووقع في رواية النَّسفي: <قال إسماعيل> بدون لفظ: لي، وهذا حُكْمُه حُكْمُ الموصول، ويستعملُ هذا فيما يحمله عن شيوخه بطريق المذاكرة (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ) هو: محمد بن مسلم الزُّهري (عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ) وقد مرَّ الكلامُ فيه (قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ) في كفَّارة الظِّهار (شَهْرَانِ) كالحرِّ، وقد سبق الكلام في العتق والإطعام (وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، ابن الحكم النَّخعي الكوفيُّ، ثمَّ الدِّمشقي، مات سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وليس له في البُخاري ذكر إلَّا في هذا الموضع.
          وقال الكرمانيُّ: ويُرْوَى: الحسنُ بن حيٍّ، ضدُّ الميت، الهمْداني الفقيه، مات سنة تسع وستين ومئة، ونسبه لجدِّ أبيه، وهو الحسنُ بن صالح بن حي، واسم حي: حبَّان، فقيه ثقةٌ عابدٌ، من طبقة الثَّوري، وقال العيني: رواية الأكثرين: <الحسن بن الحر>، وفي رواية أبي ذرٍّ عن المُسْتَملي: <الحسن بن حي> ويُرْوى: <الحسن> مجرداً، ويحتمل أن يكون أحد الحسنين المذكورين. وقد أخرج الطَّحاوي في كتاب «اختلاف العُلماء» عن الحسن بن حيٍّ هذا الأثر، ويروى عن إبراهيم النَّخعي مثله.
          (ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ، سَوَاءٌ) أي: إذا كانت الأمةُ زوجةً، وقد مرَّ الكلام فيه أيضاً (وَقَالَ عِكْرِمَةُ) مولى ابن عبَّاس ☻ (إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ) قال الكِرمانيُّ: أي: الزَّوجات الحرائر، وقال العيني: لفظ النِّساء يتناولُ الحرائر والإماء، فلذلك هو فسرها بالزَّوجات الحرائر، ولو قيل: من الحرائر، لكان أولى، وقال ابنُ حزم: وروي عن الشَّعبي مثلُه، ولم يصحَّ عنهما، وصحَّ عن مجاهد وابن أبي مُليكة، وهو قولُ أبي حنيفة ومحمد بن إدريس الشَّافعي وأحمد وإسحاق، إلَّا عن أحمد، أنَّه قال في الظِّهار: من مَلَكَ اليمين كفَّارة، ورُوي عن عكرمة خلافه.
          قال عبد الرَّزَّاق: أخبرنا ابن جُريج: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة مولى / ابن عبَّاس ☻ : يُكَفِّر عن ظهار المرأة مثل كفَّارة الحرِّ. قيل: يحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة: الأمة المزوجة، فلا يكون بين قَوْلَيه اختلافٌ.
          (وَفِي الْعَرَبِيَّةِ) أي: يستعمل في كلام العرب لفظ عاد له، في معنى: عاد فيه؛ أي: نقضه وأبطله، فقوله تعالى: ({لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] أَيْ: فِيمَا قَالُوا، وَفِي نَقْضِ مَا قَالُوا) بالنُّون والقاف، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الأَصيلي والكُشْمِيْهَني: <وفي بعض> بالموحدة وسكون العين المهملة، والأولى أصحُّ. قال الزَّمخشري: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] أي: يتداركون ما قالوا؛ لأنَّ المتدارك للأمر عائد إليه؛ أي: يداركه بالإصلاح بأن يكفِّر عنه.
          (وَهَذَا أَوْلَى) أي: كون معنى يعودن لما قالوا: ينقضون ما قالوا، أولى ممَّا قالوا: إنَّ معنى العود هو تكرير كلمة الظِّهار، وهذا قول داود الظَّاهري، وهو أن يقعَ العَوْد بالقول بأن يعيدَ لفظ الظِّهار فلا تجبُ الكفَّارةُ إلَّا به (لأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ) المحرم (وَقَوْلِ الزُّورِ) وفي رواية ابن عَساكر: <وعلى قول الزُّور> المشار إليهما في الآية بقوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة:2] وهذا تعليلٌ للأولوية. وحاصِلُه: أنَّه إذا كان معناه كما زعمه داود؛ لكان الله دالاً على المنكر وقول الزُّور، تعالى الله عن ذلك عُلَّواً كبيراً، وقال الفراء والأخفشُ: المعنى على التَّقديم والتَّأخير، أي: والذين يظاهرون من نسائهم، ثمَّ يعودون فتحرير رقبةٍ لِمَا قالوا، وقال ابن بطَّال: وهو قول حسنٌ.
          وقال غيره: يجوز أن تكون ما بتقدير المصدر، والتَّقدير: ثمَّ يعودون للقول؛ سمَّى القولَ باسم المَصْدَر، كما قالوا: نَسْجُ اليمن، ودرهمٌ ضَرْبُ الأَمير، وإنَّما هو منسوج اليمن، ومضروبُ الأمير، وقال آخرون: يجوز أن تكون ما بمعنى من، كأنَّه قال: ثمَّ يعودون لما قالوا فيهنَّ أو لهنَّ: أنتنَّ علينا كظهور أمهاتنا.
          وقال ابنُ المرابط: قالت فرقة: ثمَّ يعودون لما قالوا من الظِّهار فيقولون بالظِّهار مرَّة أخرى، وهو الذي أنكره / البُخاري، فكأنَّه قال: كيف يقال: إنَّه إذا أعاد هذا اللَّفظ يجب أن يُكَفِّر، ثمَّ تحلُّ له المرأة، وإنَّما المراد: الوقوع ضد ما وقع منه، فإن قيل: اقتصرَ البُخاريُّ في باب الظِّهار على ذكر قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:1-4]، وعلى ذِكْرِ بعض الآثار.
          وقد ورد فيه أحاديث عن ابن عبَّاس وسلمة بن صخر البياضي وخولة بنت ثعلبة، وأوس بن الصَّامت، وعائشة ♥ ، ولم يذكر فيها حديثاً، فالجواب: أنَّه ليس فيها حديث على شَرْطِهِ، فلذلك لم يذكر منها حديثاً، غير أنَّه ذَكَرَ في أوائل «كتاب التَّوحيد» من حديث عائشة ♦ معلقاً على ما سيأتي إن شاء الله تعالى [خ¦97/9-10920]، أمَّا حديث ابن عبَّاس فأخرجه الأربعة، وأمَّا حديث سلمة بن صخر، ويقال: سلمان بن صخر، فأخرجه أبو داود والتِّرمذي وابن ماجه، وأمَّا حديث خولة، فأخرجه أبو داود، وأمَّا حديثُ أوس بن الصَّامت زوج خولة، فأخرجه أبو داود أيضاً.