نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا قال لامرأته وهو مكره: هذه أختي، فلا شيء عليه

          ░10▒ (باب إِذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (مُكْرَهٌ: هَذِهِ أُخْتِي، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ) يعني: لا يكون طلاقاً، ولا ظِهاراً (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : قَالَ إِبْرَاهِيمُ) خليل الله ╕ (لِسَارَةَ) زوجِته أمِّ إسحاق ◙. ووَقَع في «شرح الكِرماني»: أم إسماعيل ◙، وهو خطأ، والظَّاهر: أنَّه من النَّاسخ، وأمُّ إسماعيل ◙ هاجر وسارة ابنة عمِّ إبراهيم هاران / أخت لوط ◙.
          ولقول إبراهيم ╕: هذه أختي قصة، وهي: أنَّ الشَّام وقع فيه قَحْطٌ، فسار إبراهيم ◙ إلى مصر، ومعه سارة ولوط، وكان فرعون وهو أوَّل الفراعنة، عاش دهراً طويلاً، وكانت سارة من أَجْمَلِ النِّساء، فأتى إلى فرعون رجل وأخبره بأنَّه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن النِّساء، فأرسل إلى إبراهيم ◙، فقال: ما هذه المرأة معك (1) ؟ قال: أختي، وخاف أن يقول: هذه امرأتي أن يقتله، وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية إلَّا بخطبة ورضى، بخلاف المتزوِّجة، فكانوا يغتصبونها من زوجها إذا أحبوا ذلك.
          فلمَّا دخلت عليه أهوى إليها بيده، فيبست إلى صدره، وقال: سلي إلهك أن يطلق عني، فقالت سارة: اللَّهمَّ إن كان صادقاً فأطلق له يَدَه، فأطلقها الله. قيل: فعل ذلك ثلاث مرَّات، فلمَّا رأى ذلك رَدَّها إلى إبراهيم ◙، ووهب لها هاجر، وهي جاريةٌ قبطية.
          (وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ ╡) أي: قول إبراهيم ◙ لسارة: أختي لرضى الله تعالى؛ لأنَّها كانت أخته في الدِّين، ولم يكن يومئذٍ مسلم غيره وغير سارة ولوط. وقال ابن بطَّال: أراد البُخاريُّ بهذا التَّبويب ردَّ قولِ من نهى أن يقول الرَّجل لامرأته: يا أختي. وقد روى عبد الرَّزَّاق من طريق أبي تميمة الهُجَيْمِي: «مرَّ النَّبي صلعم برجلٍ، وهو يقول لامرأته: يا أخته فزجره».
          قال ابن بطَّال: ومن ثَمَّةَ قال جماعةٌ من العلماء: يصيرُ بذلك مظاهراً إذا قصدَ ذلك، فأرشدَه النَّبيُّ صلعم إلى اجتناب اللَّفظ المشكل، فمَنْ قال لامرأته كذلك، وهو ينوي ما نواه إبراهيم ╕، فلا يضرُّه شيءٌ.
          وقال أبو يوسف: إنْ لم يكن له نيَّة فهو تحريم، وقال محمد بنُ الحسن: هو ظهار إذا لم يكن له نية، ذَكَره الخطَّابي، وقال الحافظُ العسقلاني: وقيد البُخاري بكون قائل ذلك إذا كان مكرهاً لم يضره.
          وتعقبه بعض الشُّراح: بأنَّه لم يقع في قصَّة إبراهيم ◙ إكراه، وهو كذلك، ولكن لا تعقُّب على البُخاري؛ لأنَّه أراد بذكر قصَّة إبراهيم ◙ الاستدلال / على أنَّ من قال ذلك في حالة الإكراه، لا يضره قياساً على ما وقع في قصَّة إبراهيم ◙.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّ قوله: وهو كذلك، ليس كذلك؛ لأنَّ إبراهيم ◙ كان يتحقَّق أنَّ هذا الفرعون كان يقتل من خالفه فيما يريده، وكان حاله في ذلك الوقت مثل حال المكره، بل أقوى؛ لشدَّة كُفر هذا الفرعون وشدَّة ظُلمه وتعذيبه لمن يخالفه بأدنى شيءٍ، فكيف إذا خالفَهَ مَنْ حَالُه في مثل هذه القضية.
          تنبيه: أورد النَّسفي في هذا الباب جميعَ ما في التَّرجمة التي بعده، وعكس أبو نُعيم ذلك في «المُستخرج».


[1] في هامش الأصل: في نسخة: منك.