نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا

          ░5▒ (باب) بالتنوين: (هَلْ يُقَالُ) على البناء للمفعول في رواية الأكثرين. وللسَّرخسي والمستملي: <هل يقول> أي: الإنسان أو القائل، والمعنى: هل يجوز أن يقال: (رَمَضَانُ) بدون شهر (أَوْ) يقال (شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعاً) وهو من جملة / التَّرجمة؛ أي: ومن رأى القول بمجرَّد رمضان، أو تقييده بشهر واسعاً؛ أي: جائز الإحراج على قائلة. وفي رواية الكشميهنيِّ: <ومن رآه> بزيادة الضَّمير.
          وإنما أطلق التَّرجمة ولم يفصح بالحكم؛ للاختلاف فيه على عادته في ذلك. فالذي اختاره المحقِّقون والبخاري منهم لا يكره أن يقال: جاء رمضان، ولا صمنا رمضان. وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقولا: رمضان، وإنَّما كانا يقولان كما قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:185] وقالا: لأنَّا لا ندري لعلَّ رمضان اسمٌ من أسماء الله تعالى.
          وحكاه البيهقيُّ عن الحسن أيضاً قال: والطَّريق إليه وإلى مجاهد ضعيفة، وهو قول أصحاب مالك. وقال النَّحاس: هذا قولٌ ضعيف؛ لأنَّه صلعم نطقَ به، فذكر ما ذكره البخاري.
          وفي «التَّوضيح»: وهنا قول ثالثٌ، وهو قول أكثر أصحابنا: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشَّهر، فلا كراهة وإلَّا فيكره، قالوا: ويقال قمنا، أو صمنا رمضان، ورمضان أفضلُ الأشهر، وإنَّما يكره أن يقال: قد جاء رمضان ودخل رمضان وحضر ونحو ذلك.
          فإن قيل: في «كامل ابن عدي» عن أبي سعيد المقبريِّ، عن أبي هريرة ☺: قال رسول الله صلعم : ((لا تقولوا رمضان، فإنَّ رمضان اسم من أسماء الله ╡، ولكن قولوا شهر رمضان)).
          فالجواب: أنَّه قال أبو حاتم: هذا خطأ، وإنَّما هو قول أبي هريرة ☺، وفيه أبو معشر نجيح المدني، وضعَّفه ابن عدي الذي خرَّجه.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: أشار البخاري بهذه التَّرجمة إلى حديث ضعيف، ثمَّ ذكر هذا الذي خرجه ابن عديِّ.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّه أخذه من كلام صاحب «التَّلويح» فإنَّه قال: وكأن البخاري أراد بالتبويب دفع ما رواه أبو معشر نجيح في «كامل ابن عدي» وهل هذا إلَّا أمرٌ عجيب من هذين المذكورين؟! فإنَّ لفظ التَّرجمة: هل يقال رمضان، أو شهر رمضان، ومن أين يدلُّ على هذا؟.
          ومن قال: إنَّ البخاري اطلع على هذا الحديث، ووقف عليه حتَّى يرده بهذه التَّرجمة؟.
          قال الزَّمخشري: رمضان مصدر رمض، إذا احترق من الرَّمضاء، فأضيف إليه الشَّهر، وجعل علماً، ومنع الصَّرف للتَّعريف، والألف والنون.
          وقال الدَّماميني: إنَّ مجموع المضاف والمضاف إليه / هو العلم، ويجمع رمضان على رمضانات ورماضين وأرمضة وأرمض وأرمضاء ورماض وأراميض ورماضي. وسمِّي بذلك؛ لارتماضهم فيه من حرِّ الجوع، ومقاساة شدَّته كما سموه ناتقاً؛ لأنَّه كان ينتقهم؛ أي: يزعجهم إضجاراً؛ لشدَّته عليهم.
          وقيل: لمَّا نقلوا أسماء الشُّهور عن اللُّغة القديمة سمَّوها بالأزمنة التي وقعتْ فيها، فوافق هذا الشَّهر أيَّام رمض الحرِّ.
          قال العينيُّ: كانوا يقولون للمحرم: المُؤْتمر، ولصفر: ناجِر، ولربيع الأوَّل: خوَّان، ولربيع الأخر: وَبْصان، ولجمادى الأولى: رُبَّى، ولجمادى الآخرة: حنين، ولرجب: الأصم، ولشعبان: العاذل، ولرمضان: ناتق، ولشوال: وعل، ولذي القعدة: ورنة، ولذي الحجة: برك.
          وفي «الغَريبين»: هو مأخوذٌ من رمض الصَّائم يرمض إذا حر جوفه من شدَّة العطش.
          وفي «المغيث»: اشتقاقه من رمضتُ النَّصل أرمضه رَمْضاً: إذا جعلتَه بين حَجَرين ودَقَقته ليرقَّ سمِّي به؛ لأنَّه شهر مشقَّة؛ ليذكر صائموه ما يُقاسي أهل النَّار فيها. وقيل: من رمضت في المكان؛ يعني: احتبست؛ لأنَّ الصَّائم يحتبس عمَّا نهي عنه، وفَعَلان لا يكاد يوجد من باب فَعُل، وهو من باب فعل بالفتح كثير.
          وقال ابن خالويه: تقول العرب: جاء فلان يعدو رمضاً ورمضاناً، إذا كان قلقاً فزعاً. ثمَّ الشهر معروف، وجمعه أشهر وشهور، ذكره في «الموعب». وفي «المحكم»: الشَّهر: القمر سمِّي بذلك؛ لشهرته وظهوره، وسمِّي الشهر بذلك؛ لأنه يشهر بالقمر، ومنه علامة ابتدائه وانتهائه، ويقال: شهْر وشهرَ، والتَّسكين أكثر.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ) هذا التَّعليق وصله البخاري في الباب الذي يليه، وفيه تمامه [خ¦1901]، وقد ذكر هذه القطعة منه لصحَّة قول من يقول: رمضان من غير تقييده بشهرٍ.
          (وَقَالَ) صلعم : (لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ) بفتح التاء والقاف، من التقدُّم، فحذف التاء من أوله تخفيفاً. وهذا التَّعليق وصله البخاري بعد ذلك من طريق هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ☺ بلفظ: ((لا يتقدمنَّ أحدكم)) [خ¦1914]. وأخرجه مسلم من طريق عليِّ بن المبارك عن يحيى بلفظ: ((لا تقدَّموا رمضان)). وذكر هذه القطعة أيضاً لما مرَّ.