نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إنها قد بلغت محلها

          1494- (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) المعروف بابن المديني، قال: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) بضم الزاي وفتح الراء مصغراً، ويزيد من الزِّيادة، وقد سبق في باب الجنب يخرج [خ¦284]، قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) أي الحذاء (عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ) أخت محمد بن سيرين، سيِّدة التابعيات (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) نسيبة (الأَنْصَارِيَّةِ ♦، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى عَائِشَةَ) أمِّ المؤمنين (♦، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ) أي: من الطَّعام لقيام القرينة (فَقَالَتْ: لاَ) أي: لا شيء من الطَّعام عندنا (إِلاَّ شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ) بضم النون وفتح المهملة، وهي أمُّ عطية ♦، والجملة صفة لشيء (مِنَ الشَّاةِ) للبيان، والدَّلالة على التَّبعيض (الَّتِي بَعَثْتَ) أنت (بِهَا) إليها (مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ) صلعم (إِنَّهَا) أي: الصدقة (قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا) بكسر الحاء من حَلَّ إذا وجب.
          قال الزمخشريُّ في قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} الآية [البقرة:196] ؛ أي: مكانه الذي يجب فيه نحره.
          وقال التيميُّ: بلغت مَحِلَّها؛ أي: حيث يَحِلُّ أكلُها، فهو مَفْعِلٌ من حَلَّ الشَّيء حلالاً، وقال: معناه أنَّه صلعم بعث إلى أمِّ عطيَّة شاةً من الصَّدقة فبعثت هي من تلك الشاة إلى عائشة ♦ هدية.
          هذا، والحاصل: أنَّه لما تصدَّق بها على نسيبة صارت ملكاً لها فصحَّ لها التصرُّف فيها بالبيع وغيره فلما أهدتها إلى عائشة ♦ انتقلتْ عن حكم الصَّدقة فجازَ له صلعم الأكل منها.
          وهذا معنى قولِ البُخاري: إذا تحوَّلت الصدقة، إذ كانت عليها صدقة ثمَّ صارت هديَّة وإنما كان صلعم يأكلُ الهديَّة دون الصَّدقة؛ لما في الهديَّة من التَّألف والدُّعاء إلى المحبة، وقال: ((تهادوا تحابوا)) وجائز أن يثيب عليها أفضل منها فيرفعُ الذِّلة والمنَّة؛ بخلاف الصَّدقة كما تقدَّم [خ¦1491].
          وفي الحديث بيان أنَّ الأشياء المحرمة لعلل معلومة إذا ارتفعت عنها تلك العلل حلَّت، ورجالُ إسناد هذا الحديث كلُّهم بصريون.
          وقد أخرج متنه المؤلف في الهبة أيضاً [خ¦2579] وأخرجه مسلم في الزكاة.