نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس

          ░51▒ (بابٌ) بالتنوين (مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئاً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ) الإشْراف، بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة، هو التعرُّض للشَّيء، والحرص عليه من قولهم: أشرف على كذا، إذا تطاول له، ومنه قيل للمكان المتطاول: مشرف.
          قال أبو داود: سألت أحمد عن إشراف النَّفس فقال: بالقلب، وقال يعقوب بن محمَّد: سألت أحمد عنه فقال: هو أن يقول مع نفسه يبعث إليَّ فلان بكذا.
          وجواب الشَّرط محذوف تقديره: فليقبل، حذفه اكتفاء بما دلَّ عليه حديث الباب.
          وأوردها بلفظ العموم، وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال؛ لأنَّ الصَّدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشَّرطان.
          (في أموالهم)؛ أي: وفي أموال المتَّقين المذكورين قبل هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ .كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ} / الآية [الذاريات:15-19] ؛ أي: الذي يسأل النَّاس ويستجدي {وَالْمَحْرُومِ} هو الذي يحسب غنيًّا، فيحرم الصَّدقة لتعفُّفه، رواه الطَّبراني من طريق ابن شهاب. وقيل: المحروم المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم، وقيل: المحارف الذي لا يكاد يكسب.
          وعن عكرمة: المحروم الذي لا يُنْمَى له مال، وعن زيد بن أسلم: هو المصاب بثمره وزرعه أو ماشيته، وقال محمَّد بن كعب القرظي: هو صاحب الحاجة. والمُحارَف، بفتح الراء: المنقوص الحظ الذي لا يُثمر له مالٌ، وهو خلاف المبارك، والعوام تقول بكسر الراء. واستدلَّ بهذه الآية الكريمة جماعة من التَّابعين، ومن الصَّحابة أبو ذرٍّ ☺ على أنَّ في المال حقًّا غير الزَّكاة.
          وقال الجمهور: المراد من الحقِّ هو الزَّكاة، واحتجُّوا على ذلك بأحاديث منها حديث الأعرابي في الصَّحيح هل عليَّ غيرها قال: ((لا إلَّا أن تطوَّع)).
          فإن قيل: روى مسلم من حديث أبي سعيد ☺ قال: بينا نحن مع رسول الله صلعم في سفر إذ جاء رجل على راحلته، فجعل يصرفها يميناً وشمالاً، فقال النَّبي صلعم : ((من كان له فضل ظهر فليعدْ به على من لا ظهرَ له، ومن كان عنده فضلُ زادٍ فليعد به على من لا زادَ له، حتَّى ظننَّا أنَّه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في الفضل)) فيه إيجاب إنفاق الفضل من الأموال.
          فالجواب: أنَّ الأمرَ بإنفاق الفضل أمرُ إرشادٍ ونَدْبٍ إلى الفضل، وقيل: كان ذلك قبل نزول فرض الزَّكاة ونُسِخَ بها كما نُسِخَ صومُ يوم عاشوراء بِصَوم رمضان، وعاد ذلك فضيلة بعدما كان فريضة.
          هذا وفي رواية المستملي تقديم الآية، وفي رواية سقطت، وفي أخرى: <باب {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}>.