نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة

          ░31▒ (بابٌ) بالتنوين (قَدْرَ كَمْ) بالنَّصب على أنَّه مفعول قوله (يُعْطِي) أي: المزكِّي (مِنَ الزَّكَاةِ) أي: المفروضة (وَ) كم يُعْطِي المتصدِّق من (الصَّدَقَةِ) أي: المسنونة، ويروى قوله: <يُعْطَى> على البناء للمفعول، وقوله: <قدرُ> على هذا مرفوع على أنَّه مبتدأ.
          وقال الزِّين ابن المنيِّر: عطف الصَّدقة على الزَّكاة من عطف العامِّ على الخاص، إذ لو اقتصر على الزَّكاة لأوهم أنَّ غيرها بخلافها، وحذف مفعول يُعْطِي اقتصاراً لكونهم ثمانية أصنافٍ. وأشار بذلك إلى الردِّ على من كره أن يدفع إلى شخصٍ واحد قدر النِّصاب وهو مكحيٌّ عن أبي حنيفة ☼ . وقال محمَّد بن الحسن: لا بأس به. انتهى.
          وتعقَّبه العيني، وقال: ليت شعري كم من ليلةٍ سهر هذا القائل حتَّى سطر هذا الكلام الذي تمجُّه الأسماع، وكيف يدلُّ ذلك على الردِّ على أبي حنيفة ☼ .
          وقال ابن المنيِّر أيضاً: لفظ الصَّدقة يعم الفرض والنَّفل والزَّكاة كذلك، لكنَّها لا تُطلق غالباً إلَّا على الفرض دون التطوُّع؛ فهي أخص من الصَّدقة من هذا الوجه، وقد تكرَّر في الأحاديث إطلاق لفظ الصَّدقة على المفروضة، ولكنَّ الأغلب التفرقة.
          (وَمَنْ أَعْطَى شَاةً) على البناء للفاعل ونصب شاة، ويُروى على البناء للمفعول ورفع شاة، وهو عطفٌ على قوله: قدر كم يعطى. وكأنَّه أشار بذلك إلى أنَّه إذا أعطى شاةً في الزَّكاة إنَّما يجوز إذا كانت كاملة، لأنَّ الشارع نصَّ على الشاة كاملةً في موضع تؤخذ فيه الشاة فإذا أعطى جزءاً منها لا يجوز، وأمَّا في الصَّدقة فيجوز أن يعطي الشاة كلها. ويجوز أن يعطي جزءاً منها، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.