نجاح القاري لصحيح البخاري

باب صدقة العلانية

          ░12▒ (بابُ صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ وَقَوْلِهِ ╡) بالجر عطفاً على قوله: صدقة العلانِية ({الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} [البقرة:274]) يعمُّون الأوقات والأحوال بالصَّدقة لحرصهم على الخير، فكلَّما نزلت بهم حاجة محتاجٍ عجَّلوا قضاءها، ولم يؤخِّروه ولم يتعلَّلوا بوقتٍ ولا حال.
          (إِلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}) يريد قوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم} أي: لهم أجرهم يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطَّاعات {وَلَا خَوْفٌ عَلَيهِم} عند الموت {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] يوم القيامة.
          وقد اختلف في سببِ نزول هذه الآية الكريمة، / فذكر الواحديُّ أنَّها نزلت في أصحاب الخيل، وهو قول أبي أمامة وأبي الدَّرداء ☻ ، وكذا قول مكحول والأوزاعي عن ربَاح. وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة ☺: أنَّها نزلت في أصحاب الخيل الَّذين يربطونها في سبيل الله.
          وعن أبي هريرة ☺: كان إذا مرَّ بفرسٍ سمين يقرأ هذه الآية. وقال مجاهد والكلبيُّ وابن عباسٍ ☻ : نزلت في عليِّ بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهمٍ فأنفق باللَّيل واحداً وبالنَّهار واحداً وفي السِّر واحداً وفي العلانية واحداً.
          زاد الكلبيُّ فقال له رسول الله صلعم : ((ما حملَك على هذا؟)) قال: حمَلني أن أستوجِب على الله تعالى الَّذي وعدني، فقال رسول الله صلعم : ((ألا إنَّ ذلك لك)) فأنزلَ الله تعالى هذه الآية.
          ورواه عبد الرَّزاق أيضاً بإسنادٍ فيه ضَعْف إلى ابن عبَّاس ☻ ، ورواه ابن جريرٍ من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيهِ نحوه. ورواه ابنُ مردويه من وجهٍ آخر، عن ابن عبَّاس ☻ .
          وفي «الكشَّاف»: نزلت في أبي بكرٍ ☺ إذ أنفق أربعين ألف دينار عشرة آلافٍ سرًّا، وعشرة آلاف جهراً، وعشرة آلاف ليلاً، وعشرة آلاف نهاراً. وقال الطَّبري: قال آخرون: عني بالآية قومٌ أنفقوا في سبيل الله من غير إسرافٍ ولا تقتيرٍ.
          وقال قتادة: نزلتْ فيمن أنفقَ ماله في سبيل الله؛ لقوله صلعم ((إنَّ المكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة إلَّا من قال بالمال هكذا عن يمينه وشماله)).
          وقال الماورديُّ: يُحتمل أن تكون هذه الآية في إباحة الارتفاق بالزُّروع والثِّمار؛ لأنَّه يرتفق بها كلُّ مارٍّ في ليلٍ ونهارٍ في سرٍّ وعلانيةٍ، ثمَّ إنَّ المؤلف ☼ كأنَّه لم يجد حديثاً فيه على شرطه فاكتفى بالآية، وقد سقطت هذه التَّرجمة في رواية المستملي وثبتت لغيره.