نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس

          ░39▒ (بابٌ) بالتنوين (لاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ) أي: في الزَّكاة المفروضة (هَرِمَةٌ) بفتح الهاء وكسر الراء، كبيرة سقطت أسنانها. وعن الأصمعي: الهَرِمُ: الَّذي قد بلغ أقصى السن، وقال أبو حاتم: امرأة هَرِمَة، ورجال هرمون وهرائم، ونساء هرمات. وربَّما قيل: شيوخ هرمَى، وقد هَرِم هَرَماً نحو حذر حذراً، وفي «الكامل» لأبي العبَّاس: وقد أهرمه الدَّهر وهَرَّمه.
          (وَلاَ) يؤخذ (ذَاتُ عَوَارٍ) بفتح العين؛ أي: ذات عيبٍ، وهو شامل للمرض وغيره، وقيل: بالفتح: العيب، وبالضم: العور (وَلاَ تَيْسٌ) وهو فحل الغنم.
          وقيَّده ابن التين أنَّه من المعز؛ أي: ولا يؤخذ في الصَّدقة تيس؛ معناه: إذا كانت ماشيته كلها أو بعضها إناثاً لا يؤخذ منه الذَّكر إلا في موضعين ورد بهما السُّنة، أحدهما أخذ التبيع من ثلاثين من البقر، والآخر أخذ ابن اللَّبون من خمس وعشرين من الإبل بدل بنت مخاض عند عدمها، وأمَّا إذا كانت ماشيته كلها ذكوراً فيؤخذ الذكر.
          وقيل: إنَّما لا يؤخذ التيس؛ لأنَّه مرغوبٌ عنه لنتنه وفساد لحمه، أو لأنَّه ربما يقصد به المالك الفحولة فيتضرَّر بإخراجه.
          (إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ) روى أبو عبيد: المصدَّق، بفتح الدال، وجمهور المحدِّثين بكسرها والصاد مخففة، كمحدِّث. فعلى الأول: يراد به المعطي، ويكون الاستثناء مختصاً بقوله: ولا تيس؛ لأنَّ رب المال ليس له أن يخرج في صدقته ذات عَوار، وأمَّا التيس وإن كان غير مرغوب فيه لنتنه لكنه ربما زاد على خيار الغنم في القيمة لطلب الفحولة.
          وعلى الثَّاني: معناه إلَّا ما شاء المصدَّق منها، ورأى ذلك أنفع للمسلمين المستحقين، فإنه وكيلهم، فله أن يأخذَ ما شاء. ويحتمل تخصيص ذلك بما إذا كانت المواشي كلها معيبةً، كما سيجيء.
          وقال الطِّيبي: هذا إذا كان الاستثناء متَّصلاً، ويحتمل أن يكون منقطعاً، فالمعنى حينئذٍ لا يُخْرِجُ المزكي الناقص والمعيب، لكن يُخْرِجُ ما شاء المصدَّق من السَّليم أو الكامل.
          وفي «التَّلويح»: قال بعضهم: المصَّدِّق، بتشديد الصاد والدال، وقال: أصله المتصدِّق فأُدغمت هنا، لكن التشديد مكشوط في اليونينيَّة / قال: