نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى وأتقى}

          ░27▒ (باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) ماله لوجه الله (وَاتَّقَى) ربَّه، وقال قتادة: أعطى حقَّ الله تعالى، واتَّقى محارمه التي نهى عنها.
          ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}) أي: بالمجازاة الحسنة، وأيقن أنَّ الله تعالى سيخلفه، أو بالكلمة الحسنى التي هي كلمة التَّوحيد أو بالجنَّة {فَسَنُيَسِّرُهُ} أي: فسنهيِّئه في الدُّنيا (لِلْيُسْرَى) أي: للخلَّة التي توصله إلى اليسر والراحة في الآخرة، يعني للأعمال الصَّالحة الَّتي تكون سبباً لدخول الجنَّة.
          {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أمر به من الإنفاق في أنواع الخيرات {وَاسْتَغْنَى} بالدُّنيا عن العُقبى {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ} في الدُّنيا {لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10] أي: للخلَّة المؤدِّية إلى العسر، والشدَّة في الآخرة، يعني: للأعمال السَّيئة التي تكون سبباً لدخول النَّار: اللهمَّ أعِذنا منها.
          ذكر أبو اللَّيث السمرقندي في «تفسيره» بإسناده عن عبد الله بن مسعود ☺: أنَّ أبا بكر ☺ اشترى بلالاً من أميَّة بن خلف وأُبي بن خلف ببردة وعشرة أواق ذهبٍ فأعتقه لله تعالى، فأنزل الله هذه السورة.
          هذا، وروي أنَّ بلالاً ☺ كان سَلَحَ؛ أي: تغوَّط على الأصنام، فرآه المشركون فأخذوه، وكانوا يعذِّبونه، وكان / قويَّ الإسلام طاهر القلب، فمرَّ أبو بكر ☺ به وسيِّداه أميَّة وأبي يعذِّبانه، فقال: أتعذِّبان عبداً على الإسلام، فاشتراه فأعتقه لله.
          ثم إنَّ المؤلف ☼ ذكر هذه الآية إشارةً إلى الترغيب في الإنفاق في وجوه البرِّ؛ لأنَّ الله تعالى يعطيه الخلفَ في العاجل، والثَّواب الجزيل في الآجل، وإشارةً إلى التَّهديد لمن يبخل ويمتنع من الإنفاق في القربات.
          (اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفاً) وهمزة أعط قطع، ومنفق نصبٌ على أنَّه مفعولٌ أوَّل لأعط مضاف إلى مال، وخلفاً مفعوله الثاني.
          والجملة عطفٌ على قول الله، ذكره على سبيل البيان للحسنى، فكأنَّه يشير إلى أنَّ قول الله تعالى مبيَّنٌ بالحديث يعني: أنَّ تيسير اليسرى له إعطاء الخلف له.
          قال القرطبيُّ: وهو موافقٌ لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} الآية [سبأ:39].