-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
باب وجوب الزكاة
-
باب البيعة على إيتاء الزكاة
-
باب إثم مانع الزكاة
-
باب ما أدى زكاته فليس بكنز
-
باب إنفاق المال في حقه
-
باب الرياء في الصدقة
-
باب لا يقبل الله صدقةً من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب
-
باب الصدقة قبل الرد
-
باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة
-
باب أي الصدقة أفضل؟
-
باب
-
باب صدقة العلانية
-
باب صدقة السر
-
باب: إذا تصدق على غني وهو لا يعلم
-
باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر
-
باب الصدقة باليمين
-
باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه
-
باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى
-
باب المنان بما أعطى
-
باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها
-
باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها
-
باب الصدقة فيما استطاع
-
باب: الصدقة تكفر الخطيئة
-
باب من تصدق في الشرك ثم أسلم
-
باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد
-
باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة
-
باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى وأتقى}
-
باب مثل المتصدق والبخيل
-
باب صدقة الكسب والتجارة
-
باب: على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف
-
باب: قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة
-
باب زكاة الورق
-
باب العرض في الزكاة
-
باب: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع
-
باب: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية
-
باب زكاة الإبل
-
باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده
-
باب زكاة الغنم
-
باب: لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس
-
باب أخذ العناق في الصدقة
-
باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة
-
باب: ليس فيما دون خمس ذود صدقة
-
باب زكاة البقر
-
باب الزكاة على الأقارب
-
باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة
-
باب: ليس على المسلم في عبده صدقة
-
باب الصدقة على اليتامى
-
باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر
-
باب قول الله تعالى: {وفى الرقاب} {وفى سبيل الله}
-
باب الاستعفاف عن المسألة
-
باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس
-
باب من سأل الناس تكثرًا
-
باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا}
-
باب خرص التمر
-
باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري
-
باب: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
-
باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل
-
باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر
-
باب: هل يشتري صدقته؟
-
باب ما يذكر في الصدقة للنبي
-
باب الصدقة على موالي أزواج النبي
-
باب: إذا تحولت الصدقة
-
باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا
-
باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة
-
باب ما يستخرج من البحر
-
باب: في الركاز الخمس
-
باب قول الله تعالى: {والعاملين عليها}
-
باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل
-
باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده
-
باب وجوب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░49▒ (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ والغارمين وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60]) يعني أنَّ هذا الباب في بيان المراد من قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}، وكذا من قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهما مصرفان من مصارف الصَّدقة المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} قَصْرٌ لجنس الصَّدقات على الأصناف المعدودة، وأنَّها مختصَّة بها لا تتجاوزها إلى غيرها، يعني ليست الصَّدقات للذين يلمزونك ويعيبونك في قسم الصَّدقات، ويطعن عليك فيه، وإنَّما هي {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}.
قيل: الفقراء هم الضُّعفاء الذين لهم بلغة من العيش، والمسكين الذي لا شيء له بدليل قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} الآية [البلد:16] ؛ يعني: الذي لم يكن بينه وبين التُّراب شيء يقيه منه.
وقيل: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له أدنى شيء، قال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف:79] سمَّاهم مساكين، وإن كانت لهم سفينة. وقيل: الفقير الذي لا يسأل النَّاس، كما قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} الآية [البقرة:273]، والمسكين الذي يسأل النَّاس إلحافاً.
وقيل: الفقير الذي يسأل، والمسكين الذي لا يسأل، كما قال النَّبي صلعم : ((ليس المسكين الذي يطوف على أبوابكم فتردُّونه باللُّقمة واللُّقمتين، وإنَّما المسكين المتعفِّف الذي لا يسأل النَّاس ولا يفطن له فيتصدَّق عليه)). وقيل: الفقير الذي لا يكون عليه زي الفقر، ويعرف حاجته، والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة.
وقال قتادةُ: الفقير: الذي به زمانة، والمسكين: الصَّحيح المحتاج. {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وهم السُّعاة الذين يجبُون الصَّدقات ويقبضونها فيُعْطَون على قَدْر حاجتهم {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} وهم أشراف من العرب. كان رسول الله صلعم يعطيهم شيئاً من الصَّدقات، يستألفهم على الإسلام حين كان في المسلمين قلَّة، وكانوا رؤساء في كلِّ قبيلة منهم: أبو سفيان بن حرب، وأقرع بن حابس، وعيينة بن حصين الفزاري، وعبَّاس بن مرداس السُّلمي، وصفوان بن أميَّة وغيرهم، فلمَّا توفي رسول الله صلعم جاءوا إلى أبي بكر ☺ وطلبوا منه، فكتب لهم كتاباً فجاءوا بالكتاب إلى عمر ☺ ليشهدوه، فقال: / أيُّ شيء هذا؟ فقالوا: سهمنا، فأخذ عمر الكتاب ومزَّقه وقال: إنَّما كان النَّبي صلعم يعطيكم ليؤلِّفكم على الإسلام، وأمَّا اليوم فقد أعزَّ الله الإسلام، فإن ثبتَّم على الإسلام وإلَّا فبينا وبينكم السَّيف، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ قال: هو إنْ شاء، فبطل سهمهم.
{وَفِي الرِّقَابِ} يعني: والله أعلم، وفي فكِّ الرِّقاب وهو جمع رقبة، والمراد المكاتبون يعانون من الزَّكاة في فكِّ رقابهم، كأنْ يعاون المكاتَبُ الذي ليس له ما يفي بالنُّجوم بشيء من الزَّكاة على أداء النُّجوم. وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن جُبير، وإبراهيم النَّخعي، والزُّهري، وأبو حنيفة، والشَّافعي، واللَّيث، وإليه ذهب أحمد، كما في «المغني».
وقال ابن تيميَّة: إن كان معه وفاء لكتابته لم يعط لأجل فقره؛ لأنَّه عبد ما بقي عليه درهم، والزَّكاة لا تصرف إلى العبد وإن لم يكن معه شيء أُعْطِيَ الجميع، وإن كان معه بعضه تمِّم، سواء كان قبل حلول النَّجم أو بعده، ويجوز دفعها إلى سيِّده.
وعند الشَّافعيَّة: إن لم يحلَّ عليه نجم ففي صرفه إليه وجهان، وإن دفعه إليه فأعتقَه المولى وأبرأَهُ من بدل الكتابة أو عجز عن نفسه، والمال في يد المكاتب رجع فيه، قال النَّووي: وهو المذهب، وقيل: المراد الأسارى. وقيل: المراد أن تبتاعَ الرِّقاب فتعتق، وبه قال مالك، وإليه مال البُخاري كما ستطلع عليه، وابن المنذر احتجَّ له بأنَّ شراء الرَّقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب؛ لأنَّه يعان ولا يعتق.
وفي «المقنع» من كتب الحنابلة: وللمكاتب الأخذ من الزَّكاة قبل حلول النَّجم، ويجزئ أن يشتريَ منها رقبة لا تعتق عليه فيعتقها، ولا يجزئ عتق عبده ومكاتبه عنها، وهو موافقٌ لما رواه ابنُ أبي حاتم وأبو عُبيد في «الأموال» بإسنادٍ صحيحٍ عن الزُّهري: أنَّه كتب لعمر بن عبد العزيز أنَّ سهم الرِّقاب يجعلُ نصفين: نصف لكلِّ مكاتب يدَّعي الإسلام، ونصفٌ يشتري به رقاب من صلَّى وصام، وإنَّما عدلَ عن اللام إلى في، وفي الأربعة الأخيرة وقال: {وَفِي الرِّقَابِ} للدَّلالة على أنَّ الاستحقاق للجهة لا للرِّقاب.
وقيل: للإيذان بأنَّهم أرسخ في استحقاق التصدُّق عليهم ممَّن سبق ذكره؛ لأنَّ «في» للوعاء فنبَّه على أنَّهم أحقاء بأن يوضع فيهم الصَّدقات، ويجعلوا مظنَّة لها ومصبًّا، وذلك لما في فكِّ الرقاب من الكتابة أو الأسر أو الرِّق، وفي فكِّ الغارمين من الغرم من التَّخليص والإنقاذ، / ولما في الغازي الفقير أو المنقطع في الحجِّ من الجمع بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال، وتكرير «في» فِي قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيل} ترجيح لهذين على الرِّقاب والغارمين {وَالْغَارِمِينَ} وهم الذين ركبتهم الدُّيون استدانوا في غير إفساد ولا تبذير، ولا يملكون بعدها ما يبلغ النِّصاب، وقيل: الذين تحمَّلوا الحمالات فتديَّنوا فيها وغرموا.
وقال مجاهد: ثلاثة من الغارمين: رجل ذهب السَّيل بماله، ورجل أصابه حريق فهلك ماله، ورجل ليس له مال وله عيال فهو يستدين وينفق على عياله.
{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف، ومنقطع الحاج عند محمَّد، وفي «المبسوط»: وفي سبيل الله: فقراء الغزاة عند أبي يوسف، وفقراء الحاج عند محمَّد. وقال ابنُ المنذر: وفي سبيل الله: هو الغازي الغير الغني في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمَّد. وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة: أنَّه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطَّال أنَّه قول أبي حنيفة ومالك والشَّافعي، وبمثله قال النَّووي في «المهذَّب».
وعن الشَّافعي: إنَّ المراد بقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الجهاد بالإنفاق على المتطوِّعة، ولو كانوا أغنياء؛ لقوله صلعم : ((لا تحلُّ الصَّدقة لغني إلَّا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله)) وخصَّه أبو حنيفة ☼ بالمحتاج كما تقدَّم، وعن أحمد: المراد الحج.
وقال صاحب «التَّوضيح»: وأمَّا قول أبي حنيفة: لا يُعْطى الغازي من الزَّكاة إلَّا أن يكون محتاجاً، فهو خلاف ظاهر الكتاب والسنَّة، فأمَّا الكتاب فقوله تعالى: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وأمَّا السنَّة فروى عبد الرَّزَّاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ إلَّا لخمسة: لعامل عليها، أو لغازٍ في سبيل الله، أو غنيٍّ اشتراها بماله، أو فقير تصدَّق عليه فأهدى لغنيٍّ أو غارم)). وأخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشَّيخين، ورواه أبو داود مرسلاً.
وتعقَّبه العيني: بأنَّه ما أحسن الأدب سيَّما مع الأكابر، وأبو حنيفة ☼ لم يخالف الكتاب ولا السنَّة، وإنما عمل بالسنَّة فيما ذهب إليه، وهو قوله صلعم : ((لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ)) وقال: المراد من قوله: لغازٍ في سبيل الله هو الغازي الغني بقوَّة البدن، والقدرة على الكسب لا الغني بالنِّصاب الشَّرعي بدليل حديث معاذ ☺: ((وردَّها إلى فقرائهم)).
{وَاِبْنِ السَّبِيل}: هو المسافر المنقطع عن ماله، فهو فقير حيث هو، غنيٌّ حيث ماله، فريضة من الله / في معنى المصدر المؤكِّد؛ لأنَّ قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} معناه: فرض الله الصَّدقات لهم، وقرئ فريضة بالرفع؛ أي: تلك فريضة من الله؛ أي: ممَّا أمر الله به {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بأهلها {حَكِيمٌ} [التوبة:60] في قسمها لهؤلاء، ثمَّ إنَّه يحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها كما هو مذهب الشَّافعي. وعن عكرمة أنَّها تفرَّق في الأصناف كلها، وعن الزُّهري أنه كتب لعمر بن عبد العزيز تفريق الصَّدقات على الأصناف الثَّمانية، ويحتمل أن تصرف إلى بعضها كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وعن حذيفة بن اليمان ☺ أنَّه قال: إذا أَعْطَى الرَّجل الصَّدقة صنفاً واحداً من الأصناف الثَّمانية جاز.
وعن ابن عبَّاس ☻ أنَّه قال: إذا وضعتها في صنف واحد فحسبك إنَّما قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية [التوبة:60] ؛ لِأَنْ لا تَجْعَلَها في غير هذه الأصناف. وعن عمر ☺ أنَّه أُتِيَ بصدقةٍ فبعث بها إلى أهل بيت واحد، والله أعلم.
(وَيُذْكَرُ) على البناء للمفعول (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ يُعْتِقُ) بضم التحتية وكسر الفوقية؛ أي: يعتق الرَّجل (مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ) الرَّقبة (وَيُعْطِي) على البناء للفاعل؛ أي: يعطي منها (فِي الْحَجِّ) المفروض للفقير، علَّق هذا عن ابن عبَّاس ☻ ؛ ليشير إلى أنَّ شراء العبد وعتقه من مال الزَّكاة جائز، وهو مطابق للجزء الأوَّل من التَّرجمة، وإلى أنَّ دفعها في الحج جائز أيضاً، وبهذا يطابق الجزء الثَّاني منها أيضاً.
وهذا التَّعليق رواه أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه» عن أبي جعفر، عن الأعمش، عن حسَّان، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس ☻ أنَّه كان لا يرى بأساً أن يعطيَ الرَّجل من زكاته في الحجِّ، وأن يعتق النَّسمة منها.
وفي كتاب «العلل» عن مجاهد، قال ابن عبَّاس ☻ : أَعْتِقْ من زكاتك. وفي رواية أبي عبيد عنه: ((أَعْتِقْ من زكاة مالك)) وفي «فوائد» يحيى بن معين، عن عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن أبي الأشرس، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس ☻ كان يخرج زكاته ثمَّ يقول: جهِّزوا منها إلى الحج.
وقال الميموني: قيل لأبي عبد الله: يشتري الرَّجل من زكاة ماله الرِّقاب فيعتق قال: نعم، ابن عبَّاس ☻ يقول ذلك ولا أعلم شيئاً يدفعه، وهو ظاهر الكتاب. وقال الخلال: أخبرنا أحمد بن هاشم الأنطاكي قال: قال أحمد: كنت أرى أن يعتقَ من الزَّكاة ثمَّ كففت عن ذلك لأنِّي لم أَرَ / إسناداً يصحُّ.
قال حرب: فاحْتُجَّ عليه بحديث ابن عبَّاس ☻ فقال: هو مضطرب، وإنَّما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى، ولهذا لم يجزم به البخاريُّ بل أورده بصيغة التَّمريض، لكن جزم المرداوي في «المقنع» بصحَّته في العتق والحج، وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة، وبقول ابن عبَّاس ☻ في عتق الرَّقبة من الزَّكاة قال الحسن البصري وعبد الله بن الحسن العنبري ومالك وإسحاق وأبو ثور. وفي «الجواهر» للمالكيَّة: يشتري بها الإمام الرَّقبة فيعتقها عن المسلمين والولاء لجميعهم. وقال ابنُ وهيب: هو في فكاك المكاتبين، ووافق الجماعة، ولو اشترى بزكاته رقبة فأعتقها ليكون ولاؤها له يجزئه عند ابن القاسم خلافاً لأشهب، ولا يجزئ فك الأسير بها عند ابن القاسم خلافاً لابن حبيب، ولا يدفع عند مالك إلى مكاتب ولا إلى عبدٍ موسراً كان سيِّدهُ أو مُعْسراً، ولا من الكفَّارات أيضاً.
وقال أبو حنيفة والشَّافعي وجمهور العلماء: يُدْفعُ ما للرِّقاب إلى المكاتبين؛ لأنَّ كلَّ صِنْفٍ أعطاهم الله تعالى الزَّكاة على سبيل التَّمليك فكذلك الرِّقاب.
ووجه قول الجمهور أيضاً ما رواه البراء بن عازب ☺: أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله فقال: دلَّني على عملٍ يقرِّبني من الجنَّة ويباعدني من النَّار، فقال: ((أعتق النَّسمة وفكَّ الرَّقبة)) قال: يا رسول الله، أوليسا واحداً؟ قال: ((لا، عتق النَّسمة أن تنفردَ بعتقها، وفكُّ الرَّقبة أن تعينَ في ثمنها)) رواه أحمد والدَّارقطني.
(وَقَالَ الْحَسَنُ) أي: البصري (إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ) روى هذا أبو بكر بنُ أبي شيبة، عن حفص، عن أشعث بن سوَّار قال: سُئل الحسن عن رجلٍ اشترى أباه من الزَّكاة فأعتقه، قال: اشترى خير الرِّقاب (وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ) في سبيل الله (وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ) إذا كان فقيراً (ثُمَّ تَلاَ) أي: الحسن البصري قوله تعالى: ({إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية [التوبة:60]) ويفهم من تلاوته للآية أنَّ اللام في {لِلْفُقَرَاءِ} لبيان المصرف لا للتَّمليك، فلو صرف الزَّكاة في صنفٍ واحدٍ كفى، كما يدلُّ عليه قوله: (فِي أَيِّهَا) أي: في أيِّ مصرف من المصارف المذكورة.
(أَعْطَيْتَ) بتاء الخطاب على البناء للفاعل، وكذا قوله: (أَجْزَأْتَ) بسكون الهمزة؛ أي: قضيت، ويروى: <أجزأَتْ> بتاء التأنيث الساكنة على البناء للفاعل أيضاً؛ أي: كفت، ويروى: <أجزتْ> بغير همز مع سكون التاء أيضاً، وفي بعض النسخ: <أُجِرْتَ> بضم الهمزة وسكون الراء وفتح تاء الخطاب من الأجر، ويروى: <أُعْطِيت> على البناء للمفعول أيضاً؛ أي: أعطيت الصدقة، فالضمير للصَّدقة وفي تلاوته للآية أيضاً إشارة إلى تفسير قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] والله أعلم.
(وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنَّ خَالِداً احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ) وفي رواية: <أدرُعه> بضم الراء (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) / وسيأتي موصولاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى (وَيُذْكَرُ) على البناء للمفعول (عَنْ أَبِي لاَسٍ) بسين مهملة منونة بعد ألف مسبوقة بلام، وفي رواية زيادة قوله: <الخزاعي>، وقيل: حارثي يُعَدُّ في المدنيِّين، واختلف في اسمه فقيل: زياد، وقيل: عبد الله بن عَنَمة، بعين مهملة مفتوحة بعدها نون مفتوحة، وقيل: محمَّد بن الأسود، وله صحبة، وله حديثان: أحدهما هذا وليس فيهم أبو لاس غيره وهو فرد.
(حَمَلَنَا النَّبِيُّ عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ) وهذا التَّعليق رواه الطَّبراني بإسناده عن أبي لاس ☺ قال: حملنا رسول الله صلعم على إبلٍ من إبل الصَّدقة ضعاف للحجِّ فقلنا: يا رسول الله، ما نرى أن تحملنا هذه، فقال: ((ما من بعير إلَّا وفي ذروته شيطان، فإذا ركبتموها فاذكروا نعمة الله عليكم كما أمركم الله، ثمَّ امتهنونها لأنفسكم فإنَّما يحمل الله)). وأخرجه أحمد والحاكم وابن خزيمة وغيرهم، ورجاله ثقات إلَّا أنَّ فيه عنعنة ابن إسحاق، ولهذا توقَّف ابن المنذر في ثبوته، وأورده المؤلِّف بصيغة التَّمريض.