نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه

          ░30▒ (بابُ مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ) في أمور الدين (ثَلاَثاً) أي: ثلاث مرات (لِيُفْهَمَ عَنْهُ) بضم الياء وفتح الهاء، وفي رواية بحذف: «عنه»، وفي أخرى: <ليفهِم> بكسر الهاء مع حذف «عنه» أيضاً؛ أي: ليفهم غيره.
          قال الخطابي: (إعادة الكلام ثلاثاً: إما لأن من الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه، فيكرره ليفهم، وإما لأن القول فيه بعض الإشكال، فيتظاهر / بالبيان)، وقال أبو الزناد: (أو أراد الإبلاغ في التعليم، أو الزجر في الموعظة).
          هذا ووجه المناسبة بين البابين: أن المذكور في الباب الأول ما يرجع إلى شأن السائل المتعلم، وهذا الباب أيضاً في شأن المتعلم؛ لأن إعادة النبي صلعم ثلاث مرات إنما كانت لأجل المتعلمين؛ ليفهموا كلامه حق الفهم، ولا يفوت عنهم شيء من كلامه الكريم.
          (فَقَالَ) وفي رواية: <فقال النبي صلعم > والمقول طرف معلق من حديث أبي بكرة المذكور موصولاً بتمامه في كتاب «الشهادات» [خ¦2654]، وفي «الديات» [خ¦6919] وهو: أنه صلعم قال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً؟)) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وجلس وكان متكئاً فقال:
          (أَلاَ) بالتخفيف حرف التنبيه ذُكِر؛ ليدل على تحقيق ما بعده وتأكيده (وَقَوْلُ) بالرفع عطفاً على الإشراك (الزُّورِ) وهو _بضم الزاي_ الكذب والميل عن الحق، والمراد منه: الشهادة الباطلة، فلهذا أنَّث ضميره في قوله:
          (فَمَا زَالَ) صلعم (يُكَرِّرُهَا) ما دام في مجلسه لا مدة عمره، أو أنَّثه باعتبار الكلمة، أو باعتبار الثلاثة، فافهم.
          (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطاب ☺، وهذا أيضاً تعليق وصله المؤلف في «خطبة الوداع» عن عبد الله بن عمر ☻ قال: قال رسول الله صلعم في حجة الوداع: ((ألا أيُّ شهر تعلمونه أعظمُ حرمة؟)) قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: ((ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟)) قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: ((ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟)) قالوا: ألا يومنا هذا، قال: ((فإن الله تبارك وتعالى حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها؛ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) [خ¦6785].
          ثم: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَلا هَلْ بَلَّغْتُ) وقوله: (ثَلاَثاً) ظرف لـ «قال»، لا لقوله: ((بلَّغت)). قال ابن عمر ☻ : ((كل ذلك يجيبونه: ألا نعم، ثم قال: ويحكم أو ويلكم لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) [خ¦6785] فما ذكره المؤلف هاهنا هو هذا القدر المعلق من الحديث الموصول المذكور.