نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول النبي: رب مبلغ أوعى من سامع

          ░9▒ (باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : رُبَّ) للتقليل ولكنه كثر استعمالاً للتكثير بحيث غلب حتى صارت كأنها حقيقة فيه (مُبَلَّغٍ) بفتح اللام؛ أي: مبلغ إليه فحذف الجار وأوصل الفعل وهو مجرور برُبَّ (أَوْعَى) من الوعي وهو الحفظ مع الفهم صفة مبلغ (مِنْ سَامِعٍ) متعلق بقوله: ((أوعى)) ومتعلق «رُبَّ» محذوف تقديره يكون أو يوجد. ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رُبَّ اسم، أن تكونَ هي مبتدأ، و«أوعى» خبره فلا حذف ولا تقدير، والمعنى: رب مبلغ إليه عني أوعى؛ أي: أحفظ وأفهم لما أقول من سامع مني كما صرح بذلك أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه: «فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من يشهد».
          وهذا الحديث المعلَّق أورد المؤلف معناه في هذا الباب، وأما لفظه فهو موصول عنده في باب «الخطبة بمنى» من كتاب الحج [خ¦7078] أخرجه من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي بكرة ☺ قال: خطبنا رسول الله صلعم يوم النحر قال: ((أتدرون أي يوم هذا؟)) وفي آخره هذا اللفظ.
          وقد أخرج الترمذي في ((جامعه)) وابن حبان والحاكم في ((صحيحيهما)) من / حديث زيد بن ثابت ☺ قال: سمعت النبي صلعم يقول: ((نضر الله (1) امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من أفقه منه)). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
          وأخرج الترمذي أيضاً من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ☺ قال: سمعت النبي صلعم يقول: ((نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلَّغ أوعى من سامع)). وقال: حديث حسن صحيح.
          ومن هذه النقول ظهر أن لفظ الترجمة كما وقع في تخريج الترمذي وقع في تخريج المصنف أيضاً كما أن معناها وقع فيهما أيضاً فلا وجه لعزو القطب الحلبي للفظ الحديث إلى تخريج الترمذي وإبهامه عدم تخريج المصنف له، والله أعلم.
          ووجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب السابق المبلغ الذي جاء إلى رسول الله صلعم واستيقن الخبر الذي بلغ إليه من رسول الله صلعم ، وفي هذا الباب بيان أنه ربما يكون المبلَّغ أوعى من السامع.


[1] في هامش الأصل: قوله: «نضر الله» بالتشديد أكثر من التخفيف، من النضارة بمعنى، الحسن والرونق، أي: حسَّن الله. منه.