نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

          ░23▒ (بابُ الفُتْيَا) هو بضم الفاء اسم، وكذلك الفتوى، وهو الجواب في الحادثة، يقال: استفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني، وتفاتوا إلى الفقيه: ارتفعوا إليه في الفتوى.
          وفي «المحكم»: (أفتاه في الأمر أبانه له، والفَتوى والفُتيا والفُتوى _بفتح الفاء في الأول، وضمها في الآخرين_ ما أفتى به الفقيه لأهل المدينة)، وقال الشيخ قطب الدين: (الفتيا اسم)، / ثم قال: (ولم يجيء من المصادر على فُعلى غير الفُتيا والرُّجعى وبُقيا ولُقيا)، وتعقبه محمود العيني: بأن فيه نظراً من وجهين:
          الأول: أنه قال أولاً: الفتيا اسم، ثم قال: مصدر، والثاني: أنه قال: لم يجيء من المصادر على فُعلى _بضم الفاء_ غير هذه الأمثلة الأربعة، وقد جاء: العذرى بمعنى العذر، والعسرى بمعنى العسر، واليسرى: بمعنى اليسر، والعتبى بمعنى العتاب، والحسنى بمعنى الإحسان، والشورى بمعنى المشورة، والرغبى بمعنى الرغبة، والنهيا بمعنى الانتهاء، والزلفى بمعنى التزلف، وهو التقرب والبشرى بمعنى البشارة.
          (وَهُوَ) أي: العالم المفتي المجيب (وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ) وفي بعض الروايات: <على ظهر الدابة> من دبَّ على الأرض يدبُّ دبيباً، فهي في اللغة: كل ما مشى على الأرض، وأما في العرف: فقد قال الكرماني: الخيل والبغال والحمار، وقال الحافظ العسقلاني: (ما يركب، وبعضهم خصها بالحمار)(1) . وقال محمود العيني: (إنها اسم لذات الأربع من الحيوان)، لكن مراد البخاري ما قاله الصغاني من أنها الدابة التي تركب.
          (وَغَيْرِهَا) وفي رواية: <أو غيرها> أي: وغير الدابة سواء كان واقفاً على الأرض، أو ماشياً، بل على كل أحواله ففيه إشارة إلى جواز سؤال العالم راكباً وماشياً وواقفاً، وعلى كل أحواله.
          فإن قيل: ليس في سياق الحديث الذي أخرجه في الباب لفظ «الدابة»؛ ليطابق ما بوب عليه؟ فالجواب: أن بين قوله: ((وغيرها)) وبين حديث الباب مطابقة؛ لأن ما في الحديث وهو قوله: ((وقف في حجة الوداع بمنى للناس)) أعم من أن يكون وقوفه على الأرض، أو على الدابة، فيكون ذكر لفظ «الدابة» إشارة إلى أن في حديث الباب طريقاً أخرى فيها ذكر الدابة وهي قوله: ((كان على ناقته))، وأجاب عنه الحافظ العسقلاني: بأنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في «الحج» فقال: ((كان على ناقته)) [خ¦1738]. وتعقبه محمود العيني: بأن بُعد هذا الجواب كبُعد الثرى من الثريا، وكيف يعقد باب بترجمة، ثم يحال ما يطابق ذلك على حديث يأتي في باب آخر.
          ووجه المناسبة بين البابين ظاهر.


[1] ((قوله: وقال الحافظ العسقلاني: ما يركب وبعضهم خصها بالحمار)): ليس في (خ).