نجاح القاري لصحيح البخاري

باب متى يصح سماع الصغير

          ░18▒ (بابٌ)؛ بالتنوين (مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ)؛ وفي رواية: <سماع الصبي الصغير>، قيل(1) : معنى الصحة جواز قَبول مسموعه، وتعقب(2) : بأن هذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة، وقيل(3) : كأنه فهم أن الجواز هو غير الصحة، وليس كذلك، بل الجواز هو الصحة، وثمرة الصحة عدم ترتيب الشيء عليه عند العمل، فتأمل.
          ووجه المناسبة بين البابين: أن ما ذكر في الباب الأول من دعائه ◙ لابن عباس ☻ إنما كان وابن عباس إذ ذاك غلام مميز، والمذكور في هذا الباب حال الغلام المميز في السماع، على أن القصة هاهنا لابن عباس أيضاً كما كانت في الباب الأول، ثم المقصود من هذا الباب هو الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطاً في التحمل. /
          ثم إنهم اختلفوا في السن الذي يصح فيه السماع للصغير، فقال موسى بن هارون الحافظ: إذا فرق بين البقرة والدابة، وقال أحمد بن حنبل: إذا عقل وضبط، وقال يحيى بن معين: أقل سنِّ التحمل خمسة عشر سنة؛ لكون ابن عمر ☻ رُدَّ يوم أحد، إذ لم يبلغها، ولما بلغ ذلك أحمد أنكره، وقال: بل إذا عقل ما يسمع، وإنما قصة ابن عمر في القتال، وقال عياض: (حدد أهل الصنعة ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع: ابن خمس كما ذكره البخاري) [خ¦77]، وفي رواية أخرى: ((كان ابن أربع))، وقال ابن الصلاح: (والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين، فيكتبون لابن خمس سنين فصاعداً: سمع، ولِدُون خمس: حضر أو أُحضر، والذي ينبغي في ذلك اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب وردَّ الجواب كان مميزاً صحيح السماع، وإن كان دون خمس، وإن لم يكن كذلك لم يصح سماعه، وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين).
          وعن إبراهيم بن سعد قال: رأيت صبياً ابن أربع سنين دخل على المأمون قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع بكى، وحفظ القرآن أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني وله خمس سنين، فامتحنه فيه أبو بكر ابن المقرئ، وكتب له بالسماع، وهو ابن أربع سنين.
          وسيأتي بقية هذا المبحث في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى [خ¦77].


[1] في هامش الأصل: ((كرماني)).
[2] في هامش الأصل: ((عسقلاني)).
[3] في هامش الأصل: ((عيني)).