إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اتهموا الرأي رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد

          4189- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ ”حَدَّثني“ بالإفراد (الحَسَنُ) بفتح الحاء والسين المهملتين (بْنُ إِسْحَاقَ) ابنُ أبي زيادٍ(1) اللَّيثيُّ مولاهم المروزِيُّ، المعروف بحَسْنويه _الموثَّق من النَّسائيِّ_ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ) التَّميميُّ البغدادِيُّ قال: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة لام، البجلِيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمانَ بن عاصمٍ الأسدِيَّ الكوفيَّ (قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ) شقيقُ بن سلمةَ: (لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ) الأنصاريُّ الصَّحابيُّ (مِنْ) وقعةِ (صِفِّينَ) الَّتي كانت بين عليٍّ ومعاويةَ (أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ، فَقَالَ) وقد كان يُتَّهم بالتَّقصير في القتالِ يومَ صفِّين: (اتَّهِمُوا الرَّأْيَ) في الجهادِ؛ أي(2): اتَّهموا رأيكُم في(3) هذا القتالِ، فإنَّما تقاتلون في الإسلامِ إخوانكُم باجتهادٍ اجتهدتُموه‼ (فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي) أي: رأيتُ نفسي (يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ) العاصِ بن سُهَيلٍ، لمَّا جاء إلى النَّبيِّ صلعم يوم الحديبية من مكَّة مسلمًا وهو يجرُّ قيودَه، وكان قد عُذِّب في الله، فقال أبوه: يا محمَّد أوَّل ما أُقاضيكَ عليهِ، فردَّ عليه أبا جندلٍ، وكان ردُّه أشقَّ على المسلمين(4) من سائرِ ما جرى عليهم(5) (وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ) وقاتلتُ قتالًا شديدًا لا مزيدَ عليه (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) بما فيه المصلحةُ، فتركَ ◙ القتالَ إبقاءً على المسلمين وصونًا للدِّماء (وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا) في الله (لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا) يشقُّ علينا (إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا) أي: أدنتنا الأسيافُ (إِلَى أَمْرٍ) سهلٍ (نَعْرِفُهُ) فأدخلتْنَا فيه (قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ) يعني: أمرَ الفتنة الواقعة بين المسلمين، فإنَّها مشكلةٌ لِمَا فيها من قتلِ المسلمين (مَا نَسُدُّ) بضم السين المهملة (مِنْهَا) من الفتنةِ(6) (خُصْمًا) بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة (إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ) بضم الخاء المعجمة أيضًا، النَّاحيةُ والطَّرفُ، وقيل: جانب كلِّ شيءٍ خُصمه، ومنه يقال للخصمَين: خصمان؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يأخذُ بناحيةٍ من الدَّعوى غير ناحيةِ صاحبه، وأصله: خصمُ القُربَةِ؛ وهو طَرَفُها، واستعمله هنا على جهةِ الاستعارة، وحسَّنه ترشيحُ ذلك بالانفجارِ، أي: كما ينفجرُ الماءُ من نواحي القربة، وكان قول سهلٍ هذا يوم صِفِّين لمَّا حُكِّمَ الحكمان، وأراد الإخبارَ عن انتشار الأمرِ وشدَّته(7)، وأنَّه لا يتهيَّأ إصلاحُه وتلافيه.
          وهذا الحديث قد مرَّ في أواخر(8) «الجهاد» [خ¦3181].


[1] كذا في الأصول، وفي كتب الرجال: «الحسن بن إسحاق بن زياد الليثي».
[2] «أي»: ليست في (د).
[3] في (ص) و(د): «أي في».
[4] في (ص) و(د): «وكان رده على المسلمين أشق عليهم».
[5] «عليهم»: ليست في (د).
[6] «الفتنة»: ليست في (ص)، وفي (م): «القضية».
[7] في (ص): «وشهدته».
[8] في (س): «أواخر باب».