إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها

          4162- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) النَّيسابُورِيُّ القشيري (حَدَّثَنَا) كذا في «اليونينية» وغيرها، والَّذي في الفَرْع: ”قال“ (شَبَابَةُ) بشين معجمة وموحدة مخففة مفتوحتين وبعد الألف موحدة أخرى مفتوحة (بْنُ سَوَّارٍ) بفتح السين المهملة والواو المشددة (أَبُو عَمْرٍو) بفتح العين (الفَزَارِيُّ) بفتح الفاء والزاي، قال(1): (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامَة السَّدُوسيِّ الأعمَى الحافظِ المفسِّر (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ) المسيَّبِ ابن حزنِ بن أبي وهبٍ المخزوميِّ، أنَّه (قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ) التي كانت بيعةُ الرُّضوان تحتها (ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ) بضم الدال، أي: بعدَ ذلك (فَلَمْ أَعْرِفْهَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”أُنْسِيتُها“ بدل: «ثمَّ أتيتها»، (قَالَ مَحْمُودٌ) أي: ابن غَيلَان، وللأَصيليِّ: ”قال أبو عبد الله“ _أي البخاريُّ_: ”قال محمودٌ“ (ثُمَّ أُنْسِيتُهَا بَعْدُ) وهذا ساقط لأبي ذرٍّ.
          4163- وبه قال: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) أي: ابن غيلَان أبو أحمدٍ المروزِيُّ قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابن موسى العبسيُّ؛ وهو أيضًا شيخ المؤلِّف (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بن يونس بن أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ (عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) البجليِّ الكوفيِّ، أنَّه (قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ) قال ابنُ حجر: لم أقفْ على اسم أحدٍ منهم، وزاد الإسماعيليُّ: في مسجدِ الشَّجرة (قُلْتُ) لهم: (مَا هَذَا المَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ) وقد كانوا جعلُوا تحتها مسجدًا يُصلُّون فيه (فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُه) بذلك (فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) المسيَّب: (أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلعم تَحْتَ الشَّجَرَةِ. قَالَ) أي: المسيَّب: (فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نَسِينَاهَا)‼ أي: نسينَا موضعَها، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ ”أُنسِيناهَا“ (فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَقَالَ سَعِيدٌ) أي: ابن المسيَّب منكرًا: (إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلعم لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) منهم؟! قاله متهكِّمًا.
          4164- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بن إسماعيلَ التَّبوذَكِيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاحُ اليشكُريُّ قال: (حَدَّثَنَا طَارِقٌ) هو ابن عبد الرَّحمن البجليُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ(2) بَايَعَ) من الصَّحابةِ رسولَ الله صلعم (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) قال: (فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا العَامَ المُقْبِلَ فَعَمِيَتْ) بفتح العين المهملة وكسر الميم، أي: اشتبهت (عَلَيْنَا) قيل: لئلا يفتتنَ النَّاس بها لِمَا وقع تحتها من الخيرِ ونزولِ الرُّضوانِ، فلو بقيَت / ظاهرةً لخيفَ تعظيمُ الجهَّال لها وعبادتهم لها(3). قال النَّوويُّ: وفي رواية سعيدٍ(4) عن أبيه هذا الحديث ردٌّ على الحاكم؛ حيث قال: إنَّ شرط البخاريِّ أن يرويَ عن راوٍ له راويان؛ فإنَّه لم يروِ عن المسيَّب إلَّا ابنه سعيدٍ، ولعلَّه أرادَ من غيرِ الصَّحابة.
          4165- وبه قال: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) بفتح القاف وكسر الموحدة، ابنُ عُقبة قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ طَارِقٍ) وهو(5) ابنُ عبد الرَّحمن، أنَّه (قَالَ: ذُكِرَتْ) بضم المعجمة وسكون الفوقية، مبنيًّا للمفعول (عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ) الَّتي بُويعَ تحتها (فَضَحِكَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبِي) المسيَّب بن حَزْنٍ (وكَانَ شَهِدَهَا) زاد الإسماعيليُّ من طريق أبي زُرعة عن قبيصةَ: «أنَّهم أتوها من العام المقبلِ، فأنْسُوها». انتهى.
          قال في «الفتح»: وإنكارُ(6) سعيد بن المسيَّب على من زعم(7) أنَّه عرفها _معتمدًا على قولِ أبيه: إنَّهم لم يعرفوها في العام المقبل_ لا يدلُّ على نفي معرفتها أصلًا، فقد وقعَ عند المصنِّفِ في حديثِ جابرٍ السَّابق قريبًا قوله: «لو كنتُ أُبصِرُ اليوم لأريتُكُم مكان الشَّجرة» [خ¦4154]. فهذا يدلُّ على أنَّه كان يضبطُ مكانها بعينهِ، وإذا كان في آخر عمره بعد الزَّمان الطَّويل يضبط موضعها ففيه دَلالة على أنَّه كان يعرفها بعينها، قال: ثمَّ وجدتُ عند ابن سعدٍ بإسناد صحيحٍ عن نافعٍ: أنَّ عمرَ بلغه أنَّ قومًا يأتون الشَّجرة فيصلُّون عندها، فتوعَّدهم، ثمَّ أمرَ بقطعِها فقُطِعَت. انتهى.
          وقال في «شفاء الغرام»: ويقال: إنَّ موضع الحُديبية هو الَّذي فيه البئرُ المعروفةُ ببئر شمسٍ بطريق حَدَّة(8)، والشَّجرة والحُديبية لا يعرفان الآن، وليست بالموضع الَّذي يقالُ له الحديةُ(9) في طريقة حدَّة(10)؛ لقربِ هذا الموضع من جدَّة وبعده من مكَّة، والحديبية دُوْنَهُ بكثيرٍ إلى مكة، وهل الحديبية في الحرم كما قال مالكٌ؟ أو في طرف الحلِّ كما قال الماورديُّ(11)؟ أو بعضها في الحلِّ وبعضُها في الحرم، كما قال الشَّافعيُّ؟


[1] «قال»: ليست في (د).
[2] في (ص) و(د): «فيمن».
[3] «وعبادتهم لها»: ليست في (ص).
[4] في (ص): «أبي سعيد».
[5] في (د): «هو».
[6] في (د): «فإن كان».
[7] في (د): «سعيد بن المسيب ممن زعم».
[8] في (د): «جدة».
[9] في (ص) و(د): «الحدبة».
[10] في (د): «جدة».
[11] في (م): «المروزي».