إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت

          4177- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسِيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوِيِّ مولى عمر (عَنْ أَبِيهِ) أسلمَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) في حديث ابن مسعودٍ عند الطَّبرانيِّ: أنَّه سفر الحديبية (وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لاشتغاله بالوحي (ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ) ولعلَّه ظنَّ أنَّه ╕ لم يسمعه؛ فلذا كرَّر السُّؤال (وَقَالَ) وللأَصيليِّ ”فقالَ“ بالفاء بدل الواو (عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) يخاطبُ نفسه، وسقط «ابن الخطَّاب» لأبوي ذرٍّ والوقتِ(1) وابن عساكرٍ: (ثَكِلَتْكَ) بفتح المثلثة وكسر الكاف، أي: فَقدَتْكَ (أُمُّكَ يَا عُمَرُ) سقط لفظ «يا عمرُ» للأربعةِ (نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) بتخفيف الزاي، أي: ألحَحْت عليه، أو راجعته، أو أتيته بما يكره من سؤالك، وفي رواية: ”نزَّرت“ بتشديد الزاي؛ وهو الَّذي ضبطه الأَصيليُّ وهو على المبالغةِ، ومن(2) الشُّيوخ من / رواه بالتشديد والتخفيفُ هو الوجه. قال الحافظ(3) أبو ذرٍّ: سألت عنه مَنْ لقيتُ أربعين سنةً فما قرأته قطُّ إلَّا بالتخفيف، وكذا قال ثعلبٌ (كُلُّ(4) ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ المُسْلِمِينَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ) بكسر الشين المعجمة، فما لبثتُ (أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا) لم يُسمَّ (يَصْرُخُ بِي. قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ) ولأبي الوقت ”قد نزلَ“ (فِيَّ) بتشديد الياء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”بي“، أي: نزلَ بسببي (قُرْآنٌ، وَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَسَلَّمْتُ) زاد الكُشمِيهنيُّ: ”عليه“ (فَقَالَ) ╕ : (لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) لِمَا فيها من البشارةِ بالمغفرةِ، وأفعل قد لا يُراد بها المفاضلة (ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[الفتح:1]) الفتحُ الظَّفَر بالبلدة عنوةً أو صُلحًا، بحربٍ أو بغيره؛ لأنَّه مُغلق ما لم يظفَر به، فإذا ظفرَ به فقد‼ فُتِح، ثمَّ قيل: هو فتح مكَّة، وقد نزلتْ مرجعه صلعم من الحديبية، _كما مرَّ_ عِدَةً له بالفتحِ وجيء به على لفظ الماضي؛ لأنَّها في تحقُّقِها بمنزلةِ الكائنة، وفي ذلك من الفخامةِ والدَّلالة على علوِّ شأنِ المُخبر به(5) ما لا يخفى، وقيل: هو صلحُ الحديبية؛ فإنَّه حصل بسببه الخيرُ الجزيلُ الَّذي لا مزيدَ عليه، وقيل: المعنى: قضينَا لك قضاءً بيِّنًا على أهلِ مكَّة أن تدخلَها أنتَ وأصحابك من قابلٍ لتطوفُوا بالبيتِ، من الفتاحةِ(6) وهي الحكومة.
          وظاهرُ هذا الحديث الإرسالُ؛ لأنَّ أسلم لم(7) يُدرِك هذه القصَّة(8)، لكن ظاهره يقتضِي أن أسلمَ تحمَّله عن عمر، كما وقع التَّصريح بذلك عند البزَّار بلفظ: «سمعتُ عمرَ»(9)، والله الموفِّق والمعين.


[1] في (ص) و(س) و(د): «لأبوي الوقت وذرٍّ».
[2] في (ص): «من».
[3] «الحافظ»: ليست في (د).
[4] في (ل): «كلَّ».
[5] في (ص): «الخبر به».
[6] في (ص): «القُنَاحة».
[7] «لم»: ليست في (ص).
[8] في (د): «القضية».
[9] قوله: «كما وقع... عمر»: ليس في (م).