إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي سعيد: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعةً وتسعين إنسانًا

          3470- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بالموحَّدة والمعجمة المشدَّدة، العبديُّ أبو بكرٍ بندارٌ قال(1): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ) هو محمَّد بن ابراهيم بن أبي عديٍّ البصريُّ (عَنْ شُعْبَةَ) ابن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة (عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ) بكسر الصَّاد والدَّال المشدَّدة المهملتين(2)، بكر بن قيسٍ (النَّاجِيِّ) بالنُّون والجيم المكسورة والتَّحتيَّة المشدَّدة، كذا ضبطه الكِرمانيُّ وغيره، وهو الَّذي في «اليونينيَّة»، وفي الفرع: بسكون التَّحتيَّة (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) ولأبي ذرٍّ زيادة: ”الخدريِّ“ ( ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ) لم يُسَمَّ (قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا) زاد الطَّبرانيُّ من حديث معاوية بن أبي سفيان: «كلُّهم ظلمًا» (ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ) وعند مسلمٍ من طريق هشام(3) عن قتادة: «يسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهبٍ» / (فَأَتَى رَاهِبًا) من النَّصارى لم يُسَمَّ، وفيه إشعارٌ بأنَّ ذلك وقع بعد رفع عيسى، فإنَّ الرَّهبانيَّة إنَّما ابتدعها أتباعه (فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ) لي (مِنْ تَوْبَةٍ) بعد هذه‼ الجريمة العظيمة؟ وفي الحديث إشكالٌ، لأنَّا إن(4) قلنا: لا فقد خالفنا نصوصنا، وإن قلنا: نعم فقد خالفنا نصوص الشَّرع؛ فإنَّ حقوق بني آدم لا تسقط بالتَّوبة، بل توبتُها أداؤُها إلى مستحقِّيها(5) أو الاستحلال منها. والجواب: أنَّ الله تعالى إذا رضي عنه وقبل توبته يُرضي عنه خصمه، وسقط لأَبَوَي ذرٍّ والوقت لفظة «من»، فـ «توبةٌ» رفعٌ (قَالَ) له الرَّاهب: (لَا) توبة لك بعد أن قتلت تسعةً وتسعين إنسانًا ظلمًا (فَقَتَلَهُ) وكمَّل به مئةً (فَجَعَلَ يَسْأَلُ) أي(6): هل لي من توبةٍ؟ أو عن أعلم أهل الأرض ليسأله(7) عن ذلك (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) راهبٌ لم يُسَمَّ أيضًا بعد أن سأله فقال: إنِّي قتلت مئة إنسانٍ فهل لي من توبةٍ؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التَّوبة؟! (ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا) اسمها نصرة، كما عند الطَّبرانيِّ بإسنادين أَحَدُهما جيِّدٌ، من حديث عبد الله بن عمرٍو، زاد في روايةٍ: «فانطلق حتَّى إذا(8) نصف الطَّريق» (فَأَدْرَكَهُ المَوْتُ، فَنَاءَ) بنونٍ ومدٍّ وبعد الألف همزةٌ، أي: مال (بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا) نحو القرية نصرة الَّتي توجَّه إليها للتَّوبة، وحُكِي(9): ”فنأى“ بغير مدِّ قبل الهمزة وبإشباعها(10) بوزن سعى، أي: بَعُد بصدره عن الأرض الَّتي خرج منها (فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ العَذَابِ) زاد في رواية هشامٍ عن قتادة عند مسلمٍ: «فقالت ملائكة الرَّحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنَّه لم يعمل خيرًا قطُّ» (فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ) القرية نصرة (أَنْ تَقَرَّبِي) منه (وَأَوْحَى اللهُ(11) إِلَى هَذِهِ) القرية الَّتي خرج منها، وهي كفرة كما عند الطَّبرانيِّ (أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ) للملائكة: (قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا) فقيس (فَوُجِدَ) بضمِّ الواو مبنيًّا للمفعول (إِلَى هَذِهِ) القرية نصرة (أَقَرَبَ) بفتح الموحَّدة، ولأبي ذرٍّ: ”فوُجِد له هذه(12) أقربُ“(13) (بِشِبْرٍ) و«أقربُ» في هذه الرِّواية رفْعٌ على ما لا يخفى، وفي رواية هشامٍ: «فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض الَّتي أراد»، وعند الطَّبرانيِّ في حديث معاوية: فوجدوه(14) أقرب إلى دير التَّوَّابين بأنملة (فَغُفِرَ لَهُ) واستُنبِط منه: أنَّ التَّائب ينبغي له مفارقة الأحوال الَّتي اعتادها في زمان المعصية، والتَّحوُّل عنها كلِّها والاشتغال بغيرها، وغير ذلك ممَّا يطول.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «التَّوبة»، وابن ماجه في «الدِّيات».


[1] قوله: «حدثنا محمد... قال»: سقط من (ص).
[2] في (د): «والدَّال المهملة المشدَّدتين».
[3] في الأصول كلها: «همام» وهو تصحيف والتصويب من مصادر التخريج، انظر صحيح مسلم(2766) وغيره.
[4] في (د): «إذا».
[5] في (د): «مستحقِّها».
[6] «أي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[7] في (ص): «يسأله».
[8] في (د): «أتى».
[9] في (ص): «ورُوِي».
[10] في (ص): «وإشباعها».
[11] اسم الجلالة: ليس في (د).
[12] زيد في (د) و(م): «القرية» وليس في رواية أبي ذرٍّ.
[13] زيد في (م): «بضمِّ الموحَّدة».
[14] قوله: «أدنى إلى... فوجدوه» سقط من (د) و(م).