التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب طلوع الشمس من مغربها

          ░40▒ بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها.
          6506- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَة ☺ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (لاَ تَقُومَنَّ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: {لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158] وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ الرَّجُلُ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا).
          الشَّرح: هذا الحديثُ سَلَفَ في آخِرِ سورةِ الأنعامِ مختصرًا [خ¦4635].
          والشَّمسُ تجري بقُدرةِ الله وتَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ثمَّ تبلُغُ العرشَ فتسجدُ، ثمَّ تستأذنُ فيُؤذَنُ لها فتعودُ إلى المطْلَعِ، فإذا كان تلك الليلةُ لم يُؤذنْ لها إلى ما شاء الله، ثمَّ يؤذَنُ لها وقد مضى وقتٌ فتسيرُ يسيرًا فتعلَمُ أنَّها لا تبلُغُ إلى المطْلِعِ في باقي ليلتِها فتعودُ إلى مغرِبِها فتطْلُعُ منه، فمَن كان قبل ذلك كافرًا لم ينفعْهُ إيمانُه، ومَن كان مؤمنًا مذنِبًا لم تنفعْهُ توبتُه. ورُوِيَ عنه ◙: ((بابُ التَّوبةِ مفتوحٌ مِن قِبَلِ المغربِ، وعرضُهُ سبعون ذراعًا، فإذا طلعت الشَّمسُ منه لم يُقبَلْ مِن أحدٍ توبةٌ)) ثمَّ تلا هذه الآية. وقال ابنُ مسعودٍ: تَطْلُعُ الشَّمسُ مِن مغرِبِها مع القمرِ في وقتٍ واحدٍ، فإنَّهما يَغْربانِ، ثمَّ تلا: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:9].
          فَصْلٌ:. قال ابنُ فارسٍ: اللِّقْحَةُ النَّاقة تُحلَبُ، وقال ابنُ السِّكِّيت: هي لِقْحَةٌ ولَقُوحٌ، وقال غيرُه: لِقْحةٌ ولَقْحة، ولقد لَقِحَتْ لَقَاحًا ولَقْحًا، وهي التي تُنْجِبُ حديثًا، وقال الجَوْهَرِيُّ: اللِّقْحَةُ اللَّقُوحُ، وقال عنْ أبي عَمْرٍو: إذا نُتِجَتْ فهي لَقُوحٌ شهرينِ أو ثلاثةً ثمَّ هي لَبُونٌ.
          فَصْلٌ: معنى: (يُلِيطُ حَوْضَهُ) يُصْلِحُه، وفي روايةٍ: <يَلُوطُ> بالواو، قال الجَوْهَرِيُّ وابنُ فارسٍ: لُطْتُ الحوضَ بالطِّينِ لَوْطًا، أي مَلَطْتُهُ به وطيَّنْتُه. وقال الخطَّابيُّ: يُقالُ: لَاطَ حوضَهُ إذا مدَرَهُ، وهو أن يُعمَلَ مِن حِجارةٍ فيسُدُّ خصاصهُ بالمدَرِ ونحوِه لئلَّا يتسرَّبَ الماءُ. فعلى هذا يكونُ يَلِيطُ رُباعيًّا، وذكر القزَّازُ أنَّها لغةٌ، ومِنه حديثُ ابنِ عُمَرَ ☻: كان يَلِيطُ أولادَ الجاهليَّةِ لمن ادَّعاهم في الإسلام. وأصلُه اللُّصُوق، ومنه قيل للشَّيءِ إذا لم يوافقْكَ: هذا لا يَلْتاطُ بظَهري. أي يَلْصَقُ بقلبي، ومنه حديثُ البابِ. يُقال: لَاطَ به يَلُوطُ ويَلِيطُ لَوْطًا ولَيْطًا ولِياطًا إذا لَصِقَ به، أي الولدُ أَلْصَقُ بالقلب، ومنه قولُ البُحْترِيِّ: مَا أَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا أَفضلُ مِنْ أَبي بَكْرٍ وَلا عُمَرَ، وَلَكِنْ أَجدُ لَهُ مِنَ اللَّوْطِ مَا لَا أَجِدُ لِأَحَدٍ بعد رسولِ اللهِ صلعم.
          فَصْلٌ: الأُكْلَةُ بالضَّمِّ اللُّقمةُ، وهي القُرْصَةُ أيضًا، وبالفتْحِ المرَّةُ الواحدةُ حتَّى تَشبَعَ.
          فَصْلٌ: هذا كلُّه إخبارٌ عن السَّاعةِ أنَّها تأتي فجأةً، وأسرعُ ما فيه دفع اللُّقمة إلى الفمِ، وعند مسلمٍ: ((ثلاثٌ إذا خرجْنَ لا ينفعُ نفْسًا إيمانُها لم تكن آمنتْ مِن قبلُ: طُلُوعُ الشَّمسِ مِن مغرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابُّةُ الأرضِ)) وفي لفظٍ: ((بادروا بالأعمالِ ستًّا: طُلُوعَ الشَّمسِ مِن مغرِبِها، والدَّجَّالَ، والدُّخَانَ، والدَّابَّةَ، وخاصَّةَ أحدِكُمْ، وأَمْرَ العامَّةِ)). وفي لفظٍ: ((مَن تابَ قبلَ طُلُوعِ الشَّمس مِن مغربِها تابَ اللهُ عليه)).
          وعند البُخاريِّ عن أبي ذرٍّ ☺ يرفعُهُ، وَذَكَرَ الشَّمسَ أنَّها تذهبُ فتستأذنُ في السُّجودِ فيُؤذَنُ لها، قال: ((وكأنَّها قد قيل لها: اطلعي مِن حيثُ جئتِ فتطْلُعُ مِن مغربها))، ثمَّ قرأ في قراءةِ عبدِ الله: {وذلك مستقرُّها} [خ¦7424] وعند مسلمٍ: ((يُقال لها: ارجعي اطلعي مِن مغربِكِ فتطْلُعُ مِن مغرِبِها، أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفعُ نفسًا إيمانُها لم تكن آمنتْ مِن قبلُ)) ورَوَى التِّرْمذِيُّ _وقال: صحيحٌ_ عن صَفْوَانَ بنِ عسَّالٍ قال: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: ((إنَّ بالمغرب بابًا مفتوحًا للتَّوبةِ مَدُّهُ سبعين سنةً، لا يُغلَقُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ مِن مغرِبِها)).
          فائدة: رُوِيَ عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ ☻ أنَّه قال: إنَّما لم تُقبَلِ التَّوبةُ وقْتَ الطُّلوعِ لأنَّه تكون صيحةٌ يَهْلِكُ فيها كثيرٌ مِن النَّاسِ، فمَنْ أسلمَ أو تابَ في ذلك الوقتِ وهَلَكَ لم تُقبَلْ توبتُه، ومَن تاب بعدَ ذلك قُبِلَتْ توبتُهُ. ذكره أبو اللِّيث في «تفسيره».