التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: «ما أحب أن لي مثل أحد ذهبًا»

          ░14▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا.
          6444- ذكر فيه حديث أبي ذرٍّ ☺: قال ◙: (مَا أُحبُّ أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، / إِلَّا شَيْئٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ..). الحديثَ بطوله.
          6445- وحدَّثني أحمدُ بن شَبِيبٍ، حدَّثنا أبي عَنْ يُونُسَ، وقال اللَّيث: حدَّثني يُونُسُ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُبَيدِ اللهِ بن عبد الله قال أبو هُرَيرةَ ☺: قال رسول الله صلعم: (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَسَرَّنِي أَنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ عَليَّ).
          في هذا الحديث: أنَّ المؤمنَ لا ينبغي له أن يتمنَّى كثرة المال، إلَّا بشريطة أن يسلِّطَهُ الله تعالى على إنفاقه في طاعته اقتداءً بالشارع في ذلك.
          وفيه أنَّ المبادرة إلى الطاعة مطلوبةٌ وهي أفضلُ مِن التواني فيها، أَلَا ترى أنَّه صلعم لم يحبَّ أن يبقى عنده مِن مقدار جبل أُحدٍ ذهبًا لو كان له بعد ثلاثٍ إلَّا دينارٌ يرصدُهُ لِدَينٍ؟
          وفيه: أنَّه صلعم كان يكون عليه الدَّين لكثرة مواساته بقُوتِهِ وقوتِ عياله وإيثاره على نفسه أهلَ الرضا والحاجة، والرِّضا بالتقلُّل والصَّبر على خشونة العيش، وهذه سيرةُ الأنبياء والصالحين.
          وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ فضلَ المال في إنفاقه في سبيل البرِّ، لا في إمساكه وادِّخاره.
          فصل: و(أُرْصِدُهُ) بضمِّ الهمزة، قال الكِسَائيُّ والأصمعِيُّ: أرْصَدْتُ له: أَعْدَدْتُ له، ورَصَدْتُهُ: ترقَّبته قال تعالى: {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة:107] أي: عِدَّةً.