التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها

          ░33▒ بابُ الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ وَمَا يُخَافُ مِنْهَا.
          6493- ذكر فيه حديث سهْلِ بن سعدٍ السَّاعدِيِّ ☺ قال: (نَظَرَ النَّبِيُّ صلعم إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّار، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. فَتَبِعَهُ رَجُلٌ...) الحديث، وفي آخره، (وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ).
          الغَنَاء _ممدودٌ_: الكِفاية من قولهم: أغنيتُ مَغنى فلانٍ أي: أجزأتُ عنك مَجَزَأه، ومنه قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28].
          وقوله: (فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ). قال ابن فارسٍ: ثُنْدُؤَةُ الرَّجُل كثدي المرأة، وهو مهموزٌ إذا ضُمَّ.
          يُقال: خَاتَم بفتح التاء وكسرها، وخاتام، وخيتام، وختام، وختم فهذه ستُّ لغاتٍ بمعنًى، والجمع: الخَوَاتِيمُ.
          وفي تغييب الله عن عباده خواتمَ أعمالهم حكمةٌ بالغةٌ وتدبيرٌ لطيفٌ، وذلك أنَّه لو علم أحدٌ خاتمةَ عملِهِ، لدخل الإعجاب والكسل مَن علم أنَّهُ يُختم له بالإيمان، ومَن عَلِم أنه يُختم له بالكفر يزداد غيًّا وطغيانًا وكفرًا فاستأثر الله بعلم ذلك فيكون العباد بين خوفٍ ورجاءٍ، فلا يُعجب المطيع لله بعمله، ولا ييأس العاصي مِن رحمته ليقع الكلُّ تحت الذُّلِّ والخضوع لله تعالى والافتقار إليه.
          وقال حَفْصُ بن حُمَيدٍ: قلت لابن المبارك: أرأيت رجلًا قتل رجلًا فوقع في نفسي أنِّي أفضلُ منه، فقال عبد الله: أَمْنُكَ على نفسك أشدُّ مِن ذنبه، أي: أَمْنُكَ على نفسك أنَّك مِن الناجين عند الله من عذابِه أشدُّ مِن ذنب القاتل لأنَّه لا يدري ما يؤولُ إليه أمره وعلى ما يموت، ولا يَعلمُ أيضًا حالَ القاتل إلى ما يصير إليه، لعلَّه يتوب فيموت تائبًا فيصير إلى عفو الله، وتصير أنت إلى عذابه لتغيُّرِ حالك مِن الإيمان بالله إلى الشِّرك به، فالمؤمن في حال إيمانه وإن كان عالمًا بأنَّه محسنٌ فيه غير عالمٍ على ما هو ميِّتٌ عليه وإلى ما هو صائرٌ إليه، فغير جائزٍ أن يقضي لنفسه وإن كان محسنًا بالحسنى عند الله ولغيره وإن كان مسيئًا بالسوء، وعلى ذلك مضى خِيَار السَّلف.