التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مثل الدنيا في الآخرة

          ░2▒ بابُ مَثَلِ الدُّنْيَا في الآخِرةِ.
          وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} إلى قوله: {إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]
          6415- ذكر فيه حديث سهلٍ هو ابن سعدٍ: (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجنَّة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).
          القطعة الثانية سلفت في الجهاد في باب الغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ [خ¦2794].
          وقوله في الآية: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] أي: الزُّرَّاع لأنَّهم يَكْفُرونَ البذرَ، أي: يغطُّونَه، وقيل: هم مِن كفرٍ لأنَّ الدُّنيا تعجبُهم أكثرَ.
          وقوله: {ثُمَّ يَهِيجُ} أي: يجفُّ ويبقى حُطَامًا يتحطَّم، فهذا مَثَلُ الدُّنيا وزوالها، وقوله: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد:20] أي: لأعداءِ اللهِ.
          وقوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) سببه: أنَّه غير فانٍ، ومدَّة الدنيا منقضيةٌ زائلةٌ، فلو قُسمت على أقلَّ مِن موضع السُّوط لفنيت وبقيَ الموضع، وقد بيَّنَ / منزلة في الدنيا مِن الآخرة بأنْ جُعل موضع السُّوط أو الغَدْوة أو الرَّوحةِ خيرٌ مِن الدنيا وما عليها، وأراد ثوابَ ذلك لينبِّه أمَّته على هوان الدنيا عند الله وضِعَتِها، أَلَا ترى أنَّه لم يَرْضَها دار جزاءٍ لأوليائه ولا نقمةٍ لأعدائه، بل هي كما وصفها: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد:20].
          وفي التِّرْمِذيِّ مِن حديث مُسْتَوْرِدِ بنِ شدَّادٍ الفِهْريِّ ☺ مرفوعًا: ((مَا الدُّنيا في الآخرة إلَّا مِثْلُ ما يجعَلُ أحَدُكُم إصبعَهُ في اليمِّ فَلْيَنْظُر بمَ يرجِعُ))، ومِن حديث سهلٍ ☺ مرفوعًا: ((لو كانت الدنيا تعدِلُ عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةً)).