التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ذهاب الصالحين

          ░9▒ بابُ ذَهَابِ الصَّالِحينَ.
          6434- ذكر فيه حديث مِرْدَاسٍ الأَسْلَميِّ ☺ قال: قال النَّبيُّ صلعم: (يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أو التَّمْرِ لاَ يُبَالِيهِمُ اللهُ بَالَةً). قال أبو عَبْدِ اللهِ: يُقالُ: حُفَالةٌ وحُثَالةٌ.
          الشَّرح: سلف في المغازي [خ¦4156]، و(مِرْدَاسُ) هذا هو ابن مالكٍ، عِدَادهُ في الكوفيِّين، شهدَ الحُدَيبيةَ، وفي الصحابة مِرْدَاسٌ سبعةٌ سواهً.
          والحُفَالةُ والحُثَالةُ: الرُّذَالَةُ مِن كلِّ شيءٍ، وقيل: هو سَفِلةُ النَّاس، وقيل: هي آخرُ ما يبقى مِن الشَّعِير أو التَّمْرِ وأَردَاهُ، وأصلُها في اللغة: ما تساقطَ مِن قُشُور التمرِ والشعيرِ، والحُسَافة مثل ذلك، والفاء والثاء يتعاقبان مثل فوم وثوم، وحرثٍ وحرفٍ.
          وقال الدَّاوديُّ: هو ما يسقطُ مِن الشَّعيرِ عند الغَرْبَلةِ، وما يبقى مِن التَّمْرِ عندما يُؤكل، وإنَّما شكَّ المحدِّث: أيَّ الكلمتين قال؟
          وقوله: (لاَ يُبَالِيهِمُ اللهُ بَالَةً) قال الخطَّابيُّ: أي لا يرفعُ لهم قَدْرًا، يُقال: باليتُ بالشيءِ مُبَالاةً وبَاليةً وَبَالَةً.
          وقال ابن بطَّالٍ: هو مصدر باليتُ، محذوفٌ منه الياءُ التي هي لام الفعل، وكأنَّ أصله بَالِيةٌ، فكرهوا ياءً قبلها كسرةٌ لكثرة استعمال هذه اللفظة في نفي كلِّ ما لا يُحْفَل به، وتقول العرب أيضًا في مصدر باليتُ: مبالاةً، كما تقول: بَالَةً.
          وقال الشيخ أبو الحسن: سمعتُهُ بَالَهْ في الوَقْفِ ولا أدري كيف هو في الإدراج، قال: وهو باليتُه بالاةٌ، فلعلَّه عنده لَمَّا وقفَ عليه اجتمع ساكنان، فحذف أحدهما، وهذا غير بيِّنٍ؛ لأنَّك تقول: مُعَافاة ومُراماة، ولو وقفتَ عليه فإنَّ الجمع بين الساكنين في الوقف جائزٌ، والصحيح ما ذكره الخطَّابيُّ.
          قال ابن التِّين: ولو علم الشيخ أبو الحسن أنَّ مصدره وقع فيه: بَالَة ما افتقر إلى اعتذارٍ، ولا غيره.
          فَصْلٌ: و(ذَهابُ الصَّالِحين) مِن أشراط الساعة، إلَّا أنَّه إذا بقي في النَّاس حُفَالةٌ كحُفَالةِ الشعير أو التمر، فذلك إنذارٌ بقيام السَّاعةِ وفناء الدُّنيا.
          وهذا الحديث معناه: الترغيب في الاقتداء بالصَّالحين والتحذير مِن مخالفة طريقتهم خشيةَ أن يكون مَن خالفَهم لا يباليه اللهُ ولا يعبأُ به.
          قال الدَّاوديُّ: وهذا على التكثير، ولا تخلو الأرضُ مِن قائمٍ لله بالحُجَّةِ، فمنهم الراسخون في العلم، قال: والذي جاء في حديثٍ آخرَ: ((يكون في آخِرِ الزَّمان قومٌ، المتمسِّكُ منهم بدينه كالقابض على الجمر / ، للعامل منهم أجرُ خمسينَ منكم، قيل: بل منهم يا رسول الله؟ كالمستفهمين، قال: بل منكم))، معناه: إن صحَّ في العمل فللصحابة فَضْلُ الصُّحبة، وفوق ذلك كلِّه لقوله ◙: ((لو أنفقَ أحدُكم ملءَ الأرض ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نَصِيفَهُ)).