التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: هذا المال خضرة حلوة

          ░11▒ بابُ قَوْلِهِ ◙: (هَذَا المَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ). /
          وقال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} إلى قوله {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14]. وقال عُمَرُ ☺: اللَّهُمَّ إنَّا لا نَسْتَطيعُ إلَّا أَنْ نَفْرَحَ بما زيَّنتَ لَنَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْألُكَ أَنْ أُنفِقَهُ في حقِّهِ.
          6441- ثمَّ ساق حديث حكيمٍ ☺: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ..) الحديث، وسلف في الزكاة [خ¦1472].
          وبدأ في الآية بالنِّساء لأنَّهنَّ أضرُّ الأشياءِ على الرجال.
          ومعنى ({زُيِّنَ}) أي: زَيَّنَها الشَّيطان، أو أنَّها لَمَّا كانت تعجبُهُ كانت كأنَّها زُيِّنت.
          ومعنى ({الْمُقَنْطَرَةِ}): المكمَّلَةُ، مثل: ألوفٍ مؤلَّفة، والقِنْطَار في اللغة: الشيءُ الكثيرُ، مأخوذٌ مِن عَقْدِ الشيء وإحكامِهِ. وقال ابن عبَّاسٍ ☺ والحسن: أنَّه ألفُ مثقالٍ. وقال قَتَادَةُ: مئةُ رطلٍ. وقال مجاهدٌ: سبعون ألف دينارٍ. وقال عطاءٌ: سبعة آلاف دينارٍ. وقال معاذٌ: هو ألفٌ ومائتا أُوقِيَّةٍ. وقيل: مئة وعشرون رطلًا. وقيل: مَسكة الثور ذهبًا.
          وأخبر الفاروق بما لا يكاد ينجو منه أحدٌ، وكان مِن الزُّهَّاد، وقيل لبعضهم: مَن أزهدُ عُمَرُ أو أُوَيسٌ؟ قال: عُمَرُ؛ لأنَّه قَدِر فَزَهِدَ.
          وقوله: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) ليس على عمومه، وقد استطعَمَ موسى والخَضِرُ أهلَ قريةٍ، وقال صلعم في لحمِ بَرِيرةَ: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ).
          وهذا الباب هو في معنى الذي قبله، يدلُّ على أنَّ فتنةَ المالِ والغنى مخوفةٌ على مَن فتحَهُ الله عليه لتزيين الله له ولشهوات الدُّنيا في نفوس عباده، فلا سبيل لهم في نفقته إلَّا بعون الله عليه؛ ولهذا قال عُمَرُ ☺ ما قال، ثمَّ دعا أن يُعينه على إنفاقه في حقِّه، فمن أخذ المال من حقِّه ووضعه في حقِّه فقد سَلِم مِن فتنتهِ وحصل على ثوابهِ، وهذا معنى قوله: (فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ)، وفي قوله أيضًا: (ومَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ) تنبيهٌ لأمَّتِهِ على الرِّضا بما قسَم لهم.
          وفي قوله: (وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ) إلى آخره: ذمُّ الحرص والشَّره إلى الاستكثار، أَلَا ترى أنَّه شبَّه فاعلَ ذلك بالبهائم التي تأكل ولا تشبع؟ وهذا غاية الذمِّ له؛ لأنَّ الله وصفَ الكفَّارَ بأنَّهُم يأكلون كما تأكل الأنعام، يعني أنَّهم لا يشبعون كَهُم؛ لأنَّ الأنعامَ لا تأكل لإقامة أَرْمَاقِها وإنَّما تأكل للشَّره والنَّهم، فينبغي للمؤمن العاقل الفهمُ عن الله وعن رسوله أن يتشبَّه بالسلف الصالح في أخذ الدُّنيا، ولا يتشبَّهَ بالبهائم التي لا تَعْقِل. وقد سلف تفسير (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) [خ¦1465].