التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله

          ░53▒ بَاب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ
          134- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِع، عَن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: (لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاريُّ في اللِّباس عن عليٍّ عن سفيان، وفي الصَّلاة عن عاصم بن عليٍّ عن ابن أبي ذئبٍ، وفي الحجِّ عن أحمد بن يونس عن إبراهيم، وأخرجه مِنْ طريق عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر أيضًا.
          ثانيها: الزَّائد على السُّؤال في الحديث قوله: (فَإِنْ لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ..) إلى آخره، وله تعلُّقٌ به، فلذا ذكره عقبه.
          ثالثها: جوابه صلعم ممَّا لا يلبس، وإن كان السُّؤال عمَّا يلبس مِنْ بديع الكلام وجزله، فإنَّ المسؤول عنه غير منحصرٍ، إذ الأصل الإباحة، وأجابه بالمنحصر الذي كان مِنْ حقِّ السُّؤال أنْ يقع به.
          وأيضًا لو أجاب بما يلبس لتوهَّم المفهوم وهو أنَّ غير المحرم لا يلبسه، فانتقل إلى ما لا يلبس لإزالة ذلك، على أنَّ سفيان رواه مرَّةً عن الزُّهريِّ عن سالمٍ عن أبيه قال: سأل رجلٌ رسول الله صلعم ما يترك المحرم مِنَ الثِّياب؟ فقال. الحديث، رواه أحمد في «مسنده» وأبو داود والدَّارقُطنيُّ في «سننهما» فجاء على الأصل.
          رابعها: الإجماع قائمٌ على أنَّ ما ذكر لا يلبسه المحرم، وعدَّاه القياسيُّون إلى ما رأوه في معناه، وأنَّه صلعم نبَّه بكلِّ واحدٍ مِنَ المذكورات على ما في معناه، فنبَّه بالقميص والسَّراويل على كلِّ مخيطٍ أو محيطٍ معمولٍ على قدر البدن أو عضوٍ منه كالجَوشَن والتُّبَّان وغيرهما.
          ونبَّه بالعمائم والبرانس على كلِّ ساترٍ للرَّأس مخيطًا كان أو غيره، وبالخفاف على كلِّ ساترٍ للرَّجل، ونبَّه بالزَّعفران والوَرْس على كلِّ طِيبٍ، والوَرْس: نبتٌ أصفر تُصْبَغ به الثِّياب معروفٌ.
          خامسها: جاء قطع الخُفَّين لفاقد النَّعلين، وفي حديث ابن عبَّاسٍ وجابرٍ لم يذكر القطع، وبه أخذ الإمام أحمد، وخالف الثَّلاثة والجمهور وحملوا المطلق على المقيَّد، ومِنَ الغريب إعلال ابن الجوزيِّ حديث ابن عمر هذا بالوقف، وصاحب «المنتقى» وغيره بالنَّسخ، وهو ضعيفٌ جدًا، وسيأتي بسط الكلام على هذا الحديث في بابه إن شاء الله وقدره [خ¦1542].