التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل العلمِ

          ░22▒ بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ
          82- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ يقول: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ في أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ)).
          الكلامُ عليه مِن أوجهٍ:
          أحدُها: الحديثُ أخرجه البخاريُّ في التَّعبيرِ عن يحيى بنِ بُكَيرٍ وعن قُتَيبةَ، كلُّهم عن اللَّيث وعن عَبْدانَ، وغيرِه مِن طرقٍ، وأخرجه مسلمٌ في فَضَائِلِ عُمَرَ عن قُتَيبةَ عن ليثٍ به، وعن غيره.
          ثانيها:
          وَجْهُ مناسبةِ التَّبويبِ أنَّه عبَّر عَن العِلْمِ بأنَّه فَضلةُ النَّبيِّ _صلعم_ وناهيك به فَضلًا، فإنَّه جزءٌ مِن أجزاءِ النُّبُوَّة.
          ثالثُها: في التَّعريف برُواته:
          وقد سَلَفوا خلا حمزةَ، وهو أبو عُمارةَ حمزةُ بنُ عبدِ الله بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ، تابعيٌّ سمع أباه وعائشةَ، وأمُّه أمُّ ولدٍ، وهي أمُّ سالمٍ وأمُّ عُبيدِ الله، وكان ثقةً قليلَ الحديثِ.
          رابعها: قوله: (حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ) يَحتمل أن يكونَ مِن باب النَّظَرِ، وبمعنى العِلم.
          فالرِّيُّ بكسر الراء، يقال: رَوِيَ من الماء والشَّراب _بكسر الواو_ ويَروَى _بفتحها_ رِيًّا _بالكسر_في الاسم والمصدر، وحكى القاضي عن الدَّاوُديِّ الفتحَ في الْمَصْدرِ.
          وحكى الجَوهريُّ: رِيًّا ورَيًّا ورِوًى مثل رِضًى، ومثلُه: رَوِيَتِ الأرضُ مِنَ المطر، وأمَّا مِن الرِّواية فعكسُه؛ تقول: رَوَيْتُ الحديثَ أَرْوِيهِ رِوايةً، بالفتحِ في الماضي والكسرِ في المستقبَل، والرَّواء ما يَروي مِن الماء، إذا مَدَدْتَ فَتَحْتَ الرَّاءَ، وإذا كَسَرْتَ قَصَرْتَ.
          وقولُه: (فِي أَظْفَارِي) كذا رواه هنا، ورواه في التَّعبيرِ: ((مِنْ أَطْرَافِي)) و((مِنْ أَظَافِيرِي)) والكلُّ واحد.
          والتَّأويلُ: ما يَؤُولُ إليه الشَّيءُ، والتَّأويلُ: التَّعبيرُ.
          خامسُها: رؤيةُ اللَّبن في النَّوم تدلُّ على الفِطرة والسُّنَّة والعلمِ والقرآن؛ لأنَّه أوَّلُ شيءٍ ينالُه المولودُ مِن طعامِ الدُّنيا، وبه تَقُومُ حياتُه، كما تَقُومُ بالعلم حياةُ القلوبِ، فهو مُناسِبٌ للعلم من هذه الجهة، وقد يدلُّ على الحياةِ وعلى الثَّوابِ لأنَّه مِن نَعيم الجنَّة إذا رأى نهرًا مِنْ لبنٍ، وقد يدلُّ على المال الحلال، وإنَّما أوَّلَه الشَّارع بالعلم في عمرَ؛ لِعِلْمِه بصحَّةِ فِطْرتِه ودِينِه، والعِلْمُ زيادةٌ في الفِطْرةِ. /