التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الفهم في العلم

          ░14▒ بَاب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ
          الفَهم: الفِقه، ولا يتمُّ العلم إلَّا بالفهم.
          ولذلك قال عليٌّ ☺: أو فَهْمٌ أُعْطِيهُ رجلٌ مُؤْمن.
          وقال مالكٌ: ليس العلم بكثرة الرِّواية، إنَّما هو نورٌ يضعه الله في القلوب، يعني بذلك فهم معانيه واستنباطه، وقد نفى صلعم العلم عمَّن لا فهم له حيثُ قال: ((ربَّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ)).
          72- حدَّثنا عَلِيٌّ _هو ابْنُ عَبدِ اللهِ_ حَدَّثَنا سُفْيَانُ قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا: (كُنَّا عِنْدَ / النَّبِيِّ صلعم فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِيُّ صلعم: هِيَ النَّخْلَةُ).
          الكلام عليه مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: في تعداد طرقه وقد سلف قريبًا.
          ثانيها: في التَّعريف برواته غير مَنْ سلف:
          أمَّا مجاهدٌ فهو: الإمام المتَّفق على جلالته وبراعته وإمامته وثقته وتفنُّنه في الفقه والتَّفسير والقراءات والحديث، أبو الحجَّاج مجاهد بن جَبرٍ _بفتح الجيم وإسكان الباء، وقيل: جبيرٍ_ المخزوميُّ مولى عبد الله بن السَّائب، مِنَ الطبقة الثَّانية مِنْ تابعي أهل مكَّة.
          روى عن ابن عبَّاسٍ وجابرٍ وأبي هريرة، وأخرج له البخاريُّ في باب: إثم مَنْ قتل معاهدًا بغير جُرمٍ، عن الحسن بن عمرٍو عنه، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: ((مَنْ قَتلَ مُعاهِدًا لم يُرَح رائحة الجنَّة))، وهو مرسلٌ كما قال الدَّارَقُطنيُّ، فمجاهدٌ لم يسمع مِنْ عبد الله بن عمرٍو، وإنَّما سمعه مِنٍ جنادة بن أبي أميَّة عن ابن عمرٍو، كذلك رواه مروان عن الحسن بن عمرٍو عنه به.
          وأنكر شعبة وابن أبي حاتمٍ سماعه مِنْ عائشة، وكذا ابن معينٍ، لكن حديثه عنها في الصَّحيحين.
          وقال مجاهدٌ: قال لي ابن عمر: وددت أنَّ نافعًا يحفظ كحفظك، وقال يحيى القطَّان: مرسلات مجاهدٍ أحبُّ إليَّ مِنْ مرسلات عطاءٍ.
          وقال مجاهدٌ: عرضتُ القرآن على ابن عبَّاسٍ ثلاثين مرَّةً.
          مات سنة مائةٍ، وقيل: واثنتين، وقيل: وثلاثٍ، وقيل: وأربعٍ، عن ثلاثٍ وثمانين، وقد رأى هاروت وماروت وكاد يتلف.
          فائدةٌ: ليس في الكتب السِّتَّة مجاهد بن جبرٍ غير هذا، وفي مسلمٍ والأربعة: مجاهد بن موسى الخوارِزميُّ شيخ ابن عيينة، وفي الأربعة: مجاهد بن وردان عن / عروة.
          وأمَّا ابن أبي نَجِيحٍ فهو: عبد الله بن أبي نجيحٍ، واسمه يسارٌ الثَّقفيُّ أبو يسارٍ المكِّيُّ مولى الأخنس بن شُرَيقٍ، روى عن مجاهدٍ وطاوسٍ وغيرهما، وعنه شعبة وغيره وهو ثقةٌ رمي بالقدر، وقال عليٌّ: سمعت يحيى يقول: إنَّه مِنْ رؤساء الدُّعاة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائةٍ، وقيل: سنة اثنتين.
          وأمَّا عليٌّ: فهو الإمام الحافظ أبو الحسن عليُّ بن عبد الله بن جعفر بن المدينيُّ، روى عن أبيه وحمَّادٍ وخلقٍ، وعنه: أبو داود والبخاريُّ والبَغَوِيُّ وخلقٌ، وأخرج مسلمٌ والنَّسائيُّ عن رجلٍ عنه.
          قال البخاريُّ: ما استصغرت نفسي قطُّ عند أحدٍ إلَّا عنده، وقال ابن أبي حاتمٍ: كان أبو زرعة ترك الرِّواية عنه، مِنْ أجل ما كان منه في المحنة، وكان أبي يروي عنه لنزوعه عمَّا كان عليه، ولد سنة إحدى وستِّين ومائةٍ بسامرَّاء، ومات بالعسكر سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين، حدَّث هو وأبوه وجدُّه.
          فائدةٌ: المدينيُّ بإثبات الياء، لأنَّ أصله مِن المدينة ونزل البصرة، والأصل فيمَن ينسب إلى المدينة النبويَّة مدنيٌّ بحذف الياء، وإلى غيرها مدينيٌّ بإثباتها، واستثنوا هذا فقالوا: المدينيُّ بإثباتها.
          ثالثها في فقهه:
          وقد سلف قريبًا في موضعين، وفهم ابن عمر ☺ مِنْ بساط القصَّة أنَّها النَّخلة لسؤاله ◙ عنها حين أتي بالجمَّار، وقوي ذلك عنده بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24] وأنَّها النَّخْلة كما سلف.
          رابعها: إنَّما لم يحدِّث ابن عمر مجاهدًا في مسيره معه إلَّا حديثًا واحدًا، لعدم سؤاله له أو لعدم النَّشاط للاشتغال بأعباء السَّفر، وقال ابن بطَّالٍ: إنَما ذلك _والله أعلم_ لأنَّه كان متوقِّيًا للحديث، وقد كان عَلِمَ قول أبيه: أَقِلُّو الحديث عن رسول الله صلعم وأنا شريككم. وفيما ذكره نظر، فإنَّه / كان مكثرًا فيه.