التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه

          ░30▒ بَاب مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ
          فَقَالَ: ((أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا.
          وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: ((هَلْ بَلَّغْتُ؟)) ثَلَاثًا.
          94- 95- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا عبدُ الله بْنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا ثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ عَن النَّبِيِّ _صلعم_ (أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا).
          96- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حدَّثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عبدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاها، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلَاةَ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
          الكلامُ على ذلك مِن أوجهٍ:
          أحدُها: أمَّا الحديث الأوَّل وهو قوله: (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ)، فهو حديث أبي بَكْرة، وسيأتي [خ¦5976] في كِتابِ: الأَدَبِ _إن شاءَ اللهُ_ بِطُولِهِ.
          وأمَّا الحديث الثَّاني فيأتي في خُطْبَةِ الوَدَاعِ [خ¦4402] إن شاء الله تعالى.
          وأمَّا حديثُ أَنَسٍ، فأخرجه البخاريُّ في الاستئذان أيضًا عن إسحاقَ بنِ منصورٍ، عن عبد الصمد به، وهو مِن أفراده.
          وأمَّا حديثُ عبدِ الله بن عَمرٍو فَسَلَفَ في بابِ مَن رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ [خ¦60].
          ثانيها: في التَّعريف برُواته غيرِ مَن سلف التَّعريفُ به:
          وقد سلف التَّعريف بإسنادِ حديثِ عبد الله بن عَمرٍو.
          وأمَّا حديثُ أَنَسٍ، فثُمامةُ _بضم الثَّاء المثلَّثة_ أبو عَمرٍو، ثُمامة بنُ عبدِ الله بنِ أَنَسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ البصريُّ قاضيها، روى عن جدِّه / والبَراء، وعنه عبدُ الله بنُ المثنَّى ومَعمَرٌ وعِدَّةٌ.
          وثَّقه أحمدُ والنَّسائيُّ، وقال ابنُ عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأسَ به، وأشار ابنُ مَعينٍ إلى تضعيفه، وقيل: إنَّه لم يُحمَد في القضاء، وذُكِر حديث الصدَّقات لابن مَعينٍ فقال: لا يصحُّ، يرويه ثُمامة عن أنسٍ. وهو في «صحيح البخاريِّ» كما سيأتي [خ¦1454]، وانفرد بحديث: كان قيسٌ بمنزلة صاحب الشُّرطة مِن الأمير، وهو في البخاريِّ أيضًا، كما سيأتي [خ¦7155].
          وروى حمَّادٌ عنه، عن أنسٍ أنَّه _صلعم_ صلَّى على صبيٍّ فقال: ((لو نجا أحدٌ مِن ضمَّة القبر لنجا هذا الصبيُّ))، وهذا مُنكرٌ.
          وأمَّا الرَّاوي عنه فهو: أبو المثنَّى عبدُ الله بنُ المثنَّى بنِ عبدِ الله بنِ أنَسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ، والدُ محمَّدٍ القاضي بالبَصرة.
          روى عن عمومتِه والحسنِ، وعنه ابنُه وغيرُه.
          قال أبو حاتمٍ وغيرُه: صالحٌ، وقال أبو داوُدَ: لا أُخْرِجُ حديثَه.
          وأمَّا الرَّاوي عنه فهو أبو سَهلٍ عبدُ الصَّمد بنُ عبدِ الوارث بنِ سعيدِ بنِ ذَكْوانَ البصريُّ التَّميميُّ العَنْبَريُّ، الحافظُ الحُجَّةُ، روى عن شُعْبَةَ وغيرِه، وعنه ابنُه وعَبْدةُ والذُّهْليُّ، مات سنةَ سبعٍ ومئتين.
          وأمَّا الرَّاوي عنه فهو عَبْدةُ بنُ عبد الله بن عَبدةَ الخُزاعيُّ الصفَّار.
          روى عن عبدِ الصَّمد وغيره، وعنه البخاريُّ والأربعةُ وابن خُزَيمةَ، وخَلْقٌ.
          وثَّقه النَّسائيُّ، وقال أبو حاتمٍ: صَدوقٌ، مات سنةَ ثمانٍ وخمسين ومئتين.
          فائدة: سَلف لنا أيضًا عَبدةُ بن سليمان، وفي الكتب الستَّة عَبدةُ ثلاثةٌ أُخَر: ابن سليمانَ الْمَرْوَزِيُّ روى له أبو داوُدَ، وابنُ عبدِ الرحيم الْمَرْوَزِيُّ روى له النَّسائيُّ، وابن أبي لُبابةَ روَوا له خلا أبي داوُدَ.
          فائدةٌ ثانيةٌ:
          في الكتب الستَّة عبد الصمدُ ثلاثةٌ: هذا أحدهم، وثانيهم: ابنُ حَبيب العَوذيُّ، أخرجَ له أبو داوُدَ وفيه لِيْنٌ، وثالثهم: ابن سليمانَ البَلْخيُّ الحافظ، عنه التِّرمذيُّ.
          فائدةٌ ثالثةٌ:
          ليس في الكتب الستَّة ثُمامةُ بن عبد الله غير هذا، وفيهم ثُمامة ستَّةٌ غيرُه.
          ثالثها: كرَّر _صلعم_ الكلام ثلاثًا ليُفهَمَ عنه كما سلف، ويُحفَظَ أيضًا فيُنقَلَ عنه، قال أبو الزِّناد: إنَّما كان يكرِّر الكلامَ والسَّلامَ إذا خشي ألَّا يُفهَمَ عنه، أو لا يُسمعَ كلامُه، أو أراد الإبلاغَ في التَّعليم، أو الزَّجرَ في الموعظة.
          وفي الحديثِ دِلالةٌ على أنَّ الثَّلاثَ غايةُ ما يقع به البيان، إذ لم يتعدَّه؛ وقد جاء في حديث أبي موسى في الاستئذان: ((إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا...)) الحديث، واختُلِف فيما إذا ظنَّ أنَّه لم يُسمَع هل يزيد على الثلاث؟ فقيل: لا، عملًا بظاهر الحديث، وقيل: نعم.
          وأمَّا حديثُ عبد الله بن عَمرو فسلف الكلام عليه في بابِ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ [خ¦60].